قال تعالي
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)) سورة البقرة
معانى الكلمات
الأرضَ فراشاً : بساطاً و وِطاءً للاستقرارِ عليها
والسماء : هي كل ما علاك فأظلك
السماء بناءً : سقفا مرفوعاً او كالقُبّةِ المضروبة
أنداداً : أمثالاً من الأوثانِ تعبدونها
الخواطر في هذه الآية
فبعد أن بين لنا الحق سبحانه وتعالى أن عطاء ربوبيته الذي يعطيه لخلقه جميعا، المؤمن والكافر، كان يكفي لكي يؤمن الناس، كل الناس.
أخذ يبين لنا آيات من عطاء الربوبية.
ويلفتنا الحق إليها لعل من لم يؤمن عندما يقرأ هذه الآيات يدخل الإيمان في قلبه.
فيلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى خلق الأرض في قوله تعالى:
{الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً} .
والأرض هي المكان الذي يعيش فيه الناس ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه خلق الأرض أو أوجدها ، فلم يخرج علي الناس أحدٌ إدعي ذلك ،إذن فهي آية ربوبية لا تحتاج إلى جهد عقلي لإدراكها.
لأنها بديهات محسومة لله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: «فراشا»
توحي بأن الله أعد الأرض إعداداً مريحاً للبشر.
كما نفرش على الأرض شيئا، نجلس عليه أو ننام عليه، فيكون فراشا مريحاً.
ونحن منذ أدم عليه السلام نتوارث الأرض جيلا بعد جيل.
وهذه الأرض تصلح لحياتنا جميعاً.
ومنذ أن خلقت الأرضُ إلى يوم القيامة ، ستظل فراشا للإنسان.
وقد نام الإنسان الأول عليها مستريحا وكانت له فراشا ، وكثير ممن يعيشون في البوادي والصحاري والقري يفترشون الأرض.
ومع تقدم الحضارة وزيادة الرفاهية ظلت الأرض فراشاً رغم ما وجد عليها من أشياء لينة من مفروشات مختلفة، حصر كانت تصنع من بعض النباتات، ومن اصواف وجلود الحيوانات، والسجاد وغيرها .
فكأن الله تعالى. قد أعدها لنا إعداداً يتناسب مع كل جيل.
فلكل جيل رفه في العيش بسبب تقدم الحضارة
كشف الله سبحانه من العلم ما يطوع له الأرض ويجعلها فراشاً. ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى يقول:
{جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداًَ} [الزخرف: 10]
والمهد هو فراش الطفل
وفراش الطفل ،لابد أن يكون مريحا ، لأن الطفل إذا وجد في الفراش ما يزعجه أو يتعبه.
فإنه لا يملك الإمكانات التي تجعله يريحه
ولذلك نمهد لأطفالنا مكان نومهم ، حتى يناموا نوماً مريحاً.
ولكن الذي مهد الأرض لكل خلقه هو الله سبحانه وتعالى .
جعلها فراشاً لعباده ، وهذا عطاء ربوبية .
وإذا قرأنا قول الله تعالى:
{هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ} [الملك: 15]
فإن معنى ذلك أن الحق سبحانه جعل الأرض مطيعة للإنسان، يقدرُ علي التعامل معها ، تعطيه كل ما يحتاج إليه.
مثال هذه الأرض يحرثها الإنسان ويبذر فيها الحب ويرويها، فتنبت وتخرج له الثمار والنباتات التي يتقوتُ بها، فتحفظ ديمومته.
ويأتي الحق سبحانه وتعالى إلي السماء فيقول : «والسماء بناءً» والبناء يفيد المتانة والقوة والتماسك.
أي أن السماء وهي فوقنا ونحن لا نرى شيئا يحملها حتى لا تسقط علينا
ومع ذلك فهي سقف متماسك متين.
ويؤكد الحق تعالى بقوله:
{وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [الحج: 65]
وفي آية أخرى يقول:
{وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} [الأنبياء: 32]
والهدف من هذه الآيات كلِها.
أن نطمئن ونحن نعيش على الأرض أن السماء لن تسقط علينا لأن الله يحفظها.
إذن من آيات الحق سبحانه وتعالى في الأرض
@ أنه جعلها فراشاً أي ممهدة ومريحة لحياة الإنسان.
@ وحفظ السماء بقدرته جل جلاله، فهي ثابتة في مكانها، لا تهدد سكان الأرض وتفزعهم، بأنها قد تسقط عليهم
ثم قال الحق تعالي :
{وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ}
توفير الحق وسائل إستبقاء الحياة
فكأن الحق سبحانه وتعالى قد وضع في الأرض وسائل استبقاء الحياة ، فلم يترك الإنسان على الأرض دون أن يوفر له وسائل استمرار حياته.
@ فالمطر ينزل من السماء
@ فينبت به الزرع والثمر
@ وهذا الزرع والثمر رزق لنا
والناس تختلف وتتفاوت في مسألة الرزق
ومعني الرزق هو ما ننتفع به، وليس هو ما نحصل عليه.
فقد تربح مالاً وافراً ، ولكنك لا تنفقه، ولا تستفيد منه، فلا يكون هذا رزقك .
ولكنه هو رزق غيرك، وأنت تظل حارساً عليه، لا تنفق منه شيئا ، حتى يصل إلى صاحبه.
والرزق في نظر معظم الناس هو المال
قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «يقول ابن آدم مالي مالي. . وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» .
هذا هو رزق المال، وهو جزء من الرزق.
ولكن هناك أنواع أخري من الرزق
@ رزق الصحة.
@ ورزق الولد.
@ ورزق الطعام.
@ ورزق البركة.
وكل نعمة من الله سبحانه وتعالى هي رزق
ماذا يريد منا الله سبحانه وتعالي في هذة الأية
الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا بهذه الآية الكريمة إلى أن نفكر قليلاً، في خلق هذا الكون وفيمن خلقه .
لنعرف أنه قبل أن يخلق الإنسان خلق له عناصر بقائه.
ولكن هذا الإعداد لم يتوقف عند الحياة المادية.
فقد أعد الله مقومات الحياة المادية والمعنوية ،مقومات حياتنا الروحية، أو القيم في الوجود.
وإذا قرأنا سورة الرحمن قوله تعالى:
{الرحمن عَلَّمَ القرآن خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان} [الرحمن: 1 - 4] لوجدت القرآن يعطينا قيم الحياة، التي بدونها تصبح الدنيا كلها لا قيمة لها.
لأن الدنيا امتحان أو اختبار لحياة قادمة في الآخرة.
فإذا لم تأخذها بمهمتها في أنها الطريق الذي يوصلك إلى الجنة. أهدرت قيمتها تماماً.
ولم تعد الدنيا تعطيك شيئاً إلا العذاب في الآخرة.
وقد ربط الحق سبحانه وتعالى الرزق في هذه الآية بالسماء فقال سبحانه:
{فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ} ليلفتنا إلى أن الرزق، لا يأتي إلا من أعلى، وضرب الله سبحانه وتعالى المثل بالماء لأنه رزق مباشر محسوس منا، والماء ينزل من السماء في أنقى صوره مقطراً.
كل ما يأتينا من السماء. فيه علو.
ينزل ليزيد حياة القيم ارتقاءً، عملية لو أراد البشر أن يقوموا بها ما استطاعوا لأنها كانت ستكلف ملايين الجنيهات، لتعطينا ماءً لا يكفي أسرة واحدة.
ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل من السماء ماءً في أنقى صوره لينبت به الثمرات، التي تضمن استمرار الحياة في هذا الكون.
وبعد أن نفهم هذه النعم كلها. والإعجاز الذي فيها ونستوعبها يقول الحق تبارك وتعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
«أندادا» جمع نِدّ، والند هو النظير أو الشبيه.
وأي عقل فيه ذرّة من فكر يبتعد عن مثل هذا، فلا يجعل لله تعالى شبيهاً ولا نظيراً ولا يُشَبِّهُ بالله تعالى أحداً.
فالله واحد في قدرته، واحد في قوته، واحد في خلقه. واحد في ذاته، وواحد في صفاته. ولا توجد مقارنة بين صفات الحق سبحانه وتعالى وصفات الخلق. والله خلق لكل منا عقلاً يفكر به، لو عرضت هذه المسألة على العقل لرفضها تماماً، لأنها لا تتفق مع عقل أو منطق، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: أي تعرفون هذا جيداً بعقولكم لأن طبيعة العقل ترفض هذا تماماً.
فمن ذا الذي يستطيع أن يدعي أنه خلقكم والذين من قبلكم؟! ومنذا الذي يستطيع أن يدعي ولو كذبا، أنه هو الذي جعل الأرض فراشاً، وجعل السماء سقفاً محفوظاً، أو أنزل المطر وأنبت الزرع؟ لا أحد. إذن فأنتم تعلمون أن العقل كله لله وحده، ومادام لا يوجد معارض ولا يمكن أن يوجد.
فالقضية محسومة للحق تبارك وتعالى.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} [البقرة: 165] لماذا اتخذ هؤلاء الناس لله تعالى أنداداً؟
لأنهم يريدون دينا بلا منهج. يريدون أن يرضوا فطرة الإيمان التي خلقها الله فيهم.
وفي الوقت نفسه يتبعون شهواتهم. عندما فكروا في هذا وجدوا أن أحسن طريقة هي أن يختاروا إلهاً بلا منهج، لا يطلب منهم شيئاً، ولذلك كل دعوة منحرفة تجد أنها تبيح ما حرم الله، وتحل الإنسان من كل التكاليف الإيمانية كالصلاة والزكاة والجهاد وغيرها. أما الذين آمنوا.
فإنهم يعرفون أن الله سبحانه وتعالى إنما وضع منهجه لصالح الإنسان: فالله لا يستفيد من صلاتنا ولا من زكاتنا. ولا من منهج الإيمان شيئاً، ولكننا نحن الذين نستفيد من رحمة الله. ومن نعم الله ومن جنته في الآخرة. ولأن الذين آمنوا يعرفون هذا فإنهم يحبون الله حبا شديداً، والذين كفروا رغم كل ما يدعون فإنهم ساعة العسرة يلجأون إلى الله سبحانه وتعالى باعتباره وحده الملجأ والملاذ.
واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} [يونس: 12] لماذا لم يستدع الأنداد؟ لأن الإنسان لا يغش نفسه أبداً في ساعة الخطر، ولأن هؤلاء يعرفون بعقولهم أنه لا يمكن أن يوجد لله أنداد. ولكنه يتخذهم لأغراض دنيوية. فإذا جاء الخطر. يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى.
لأنه يعلم يقينا أنه وحده الذي يكشف الضر، فحلاق الصحة الذي يعالج الناس دجلا. إذا مرض ابنه أسرع به إلى الطبيب لأنه يغش الناس.
، ولكنه لا يمكن أن يغش نفسه.
ولقد كان الأصمعي واقفاً عند الكعبة، فسمع إعرابياً يدعو ويقول: «يا رب أنت تعلم أني عاصيك وكان من حقك علي ألا أدعوك وأنا عاص.
ولكني أعلم أنه لا إله إلا أنت فلمن أذهب.» فقال الأصمعي: يا هذا إن الله يغفر لك لحسن مسألتك
خواطر مع قرأن الفجر للفقيرة الي الله الدكتورة حنان لاشين (بنت سينا)
الثلاثاء، 14 يوليو 2020
الثلاثاء، 12 مايو 2020
لماذا ناخذ المنهج من الكتاب والسنه
https://khwaterelfajr.blogspot.com/2019/12/blog-post_21.html
لماذا ناخذ المنهج من القران والسنه
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) سورة النور
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْـمُبِينِ من سورة الشعراء- آية (2)
طسٓ تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ من سورة النمل- آية (1)
هُدًى وَبُشْرَى لِلْـمُؤْمِنِينَ من سورة النمل- آية (2)
وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
من سورة القصص- آية (43)
فَإِنْ لَـمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ
من سورة القصص- آية (50)
السبت، 9 مايو 2020
الماء اصل الحياة
أَوَلَـمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْـمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ
من سورة الأنبياء- آية (30)
من سورة الأنبياء- آية (30)
وهن العظم
قال تعالي (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) سورة مريم
وهَنَ العظم : ضَعُـفَ و رَقّ
شقيّا : خائبا في وقت مّا
هذا هو النداء، أو الدعاء الذي دعا به زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} [مريم: 4] ويرد في الدعاء أن نقول: يا رب.
أو نقول: يا الله، فقال زكريا (رب) أي: يا رب؛ لأنه يدعو بأمر يتعلق بعطاء الربوبية الذي يشمل المؤمن والكافر، إنه يطلب الولد، وهذا أمر يتعلق ببنية الحياة وصلاحها للإنجاب، وهذه من عطاء الرب سبحانه وتعالى، وإن كانت العلقة في طلب الولد إلهية، وهي أنْ يحمل المنهج من بعد أبيه. فكأن زكريا عليه السلام دعا ربه: يا ربّ يا مَنْ تعطي مَنْ آمن بك، وتعطي مَنْ كفر، يا مَنْ تعطي مَنْ أطاع، وتعطي مَنْ عصى، حاشاك أن تمنع عطاءك عمَّن أطاعك ويدعو الناس إلى طاعتك.
أما الدعاء بالله ففي أمور العبادة والتكليف.
ثم يُقدِّم زكريا عليه السلام حيثيات هذا المطلب: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} [مريم: 4]
والوَهَن هو الضعف، وقال: {وَهَنَ العظم} [مريم: 4]
لأن لكل شيء قواماً في الصلابة والقوة، فمثلاً الماء له قوام معروف والدُّهْن له قوام، واللحم له قوام، والعصب والعظم وكل عناصر تكوين الإنسان، والعَظْم هو أقوى هذه الأشياء، والعَظْم في بناء الجسم البشري مثل (الشاسيه) في لغة العصر الحديث، وعلى العظم يبنى جسم الإنسان من لحم ودم وعصب، فإذا أصاب العظام وهي أقوى العناصر ضعفٌ ووهنٌ فغيرها من باب أَوْلى. لذلك، فإن الرجل العربي حينما شكا الجدب والقحط ماذا قال؟ قال: مرَّتْ بنا سنون صعبة:
@ فَسنة أذابتْ الشحم أي: بعد الجوع وعدم الطعام
@ وسنة أذهبت اللحم أي: بعد أن أنهت الشحم
@ وسنة محَّت العظم. فكأن العَظْم هو آخر مخزن من مخازن القوت في جسم الإنسان ساعة أن ينقطع عنه الطعام والشراب.
والعظم في هذه الحالة يُوجِّه غذاءه للمخ خاصة؛ لأنه ما دام في المخ بقية قبول حياة فما حدث للجسم من تلف قابل للإصلاح والعودة إلى طبيعته،
إذن: فسلامة الإنسان مرتبطة بسلامة المخ.
لذلك نجد الأطباء في الحالات الحرجة يُركِّزون اهتمامهم على سلامة المخ، ويرتبون عليه حياة الإنسان أو موته، حتى إن توقف القلب فيمكنهم بالتدليك إعادته إلى حالته الطبيعية، أما إنْ توقف المخ فهذا يعني الموت.
فكأن نبي الله زكريا عليه السلام يقول: يا رب ضعف عظمي، ولم يَعُدْ لديَّ إلا المصدر الأخير لاستقباء الحياة.
ولما كان العظم شيئاً باطناً مدفوناً تحت الجلد، فهوحيثية باطنة، فأراد زكريا عليه السلام أنْ يأتيَ بحيثية أخرى ظاهرة بينة، فأتى بأمر واضح: {واشتعل الرأس شَيْباً} [مريم: 4] فشبّه انتشار الشيب في رَأْسه باشتعال النار، فالشعر الأبيض الذي يعلوه واضح كالنار.
والمتأمل في هذا التشبيه يجد أن النار أيضاً تتغذى على الحطب وتظل مشتعلة لها لهب يعلو طالما في الحطب الحيوية النباتية التي تمد النار، فإذا ما انتهتْ هذه الحيوية النباتية في الحطب أخذت النار في التضاؤل، حتى تصير جَذْوة لا لَهبَ لها ثم تنطفىء
. واشتعال الرأس بالشيب أيضاً دليل على ضعف الجسم ووَهَن قُوته؛ لأن الشعر يكتسب لونه من مادة مُلوّنة سوداء أو حمراء أو صفراء توجد في بُصَيْلة الشعرة، وتُمد الشعرة بهذا اللون، وضعْفُ الجسم يُضعِف هذه المادة تدريجياً، حتى تختفي، وبالتالي تخرج الشعرة بيضاء، والبياض ليس لوناً، إنما البياض عدم اللون نتيجة ضَعْف الجسم وضَعْف الغُدَد التي تفرز هذا اللون.
لذلك، نجد المترفين الذين يعنون كثيراً بشعرهم ويضعُون عليه المواد المختلفة أول ما يظهر الشيب عندهم تبيض سوالفهم؛ لأن السوالف عادة بعد أنْ يُهذِّبها الحلاق تأخذ أكبر قدر من المواد الكاوية التي تؤثر على بُصيْلات الشعر وعلى هذه المادة الملونة، والشعرة مثل الأنبوبة يسهل توصيل هذه المواد منها خاصة بعد الحلاقة مباشرة وما تزال الشعرة مفتوحة.
ثم يقول: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [مريم: 4] أي: لم أكُنْ فيما مضى بسبب دعائي لك شقياً؛ لأني مُستجَابُ الدعوة عندك، فكما أكرمتني سابقاً بالإجابة فلم أكُنْ شقياً بدعائك، بل كنتُ سعيداً بالإجابة، فلا تُخلِف عادتك معي هذه المرة، واجعلني سعيداً بأنْ تُجيبني، خاصة وأن طلبي منك طاعة لك، فأنا لا أريد أنْ أخرج من الدنيا إلاَّ وأنا مطمئن على مَنْ يحمل المنهج، ويقوم بهذه المهمة من بعدي.
وأنت قد تدعو الله لأمر تحبه، فإذا لم يأْتِ ما تحبه ولم تحب حزنت وكأنك شقيت بدعائك، وقد يكون شقاءَ كذب، لأنك لا تدري الحكمة من المنع وعدم الإجابة، لا تدري أن الله تعالى يتحكم في تصرفاتك.
وربما دعوْت بأمر تراه الخير من وجهة نظرك وفي علم الله أنه لا خَيْرَ لك فيه، فمنعه عنك وعدَّل لك ما أخطأتَ فيه من تقدير الخير، فأعطاك ربك من حيث ترى أنه منعك، وأحسن إليك من حيث ترى أنه حرمك، لأنك طلبتَ الخير من حيث تعلم أنت أنه خير ومنع الله من حيث يعلم أن الخير ليس في ذلك.
وهَنَ العظم : ضَعُـفَ و رَقّ
شقيّا : خائبا في وقت مّا
هذا هو النداء، أو الدعاء الذي دعا به زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} [مريم: 4] ويرد في الدعاء أن نقول: يا رب.
أو نقول: يا الله، فقال زكريا (رب) أي: يا رب؛ لأنه يدعو بأمر يتعلق بعطاء الربوبية الذي يشمل المؤمن والكافر، إنه يطلب الولد، وهذا أمر يتعلق ببنية الحياة وصلاحها للإنجاب، وهذه من عطاء الرب سبحانه وتعالى، وإن كانت العلقة في طلب الولد إلهية، وهي أنْ يحمل المنهج من بعد أبيه. فكأن زكريا عليه السلام دعا ربه: يا ربّ يا مَنْ تعطي مَنْ آمن بك، وتعطي مَنْ كفر، يا مَنْ تعطي مَنْ أطاع، وتعطي مَنْ عصى، حاشاك أن تمنع عطاءك عمَّن أطاعك ويدعو الناس إلى طاعتك.
أما الدعاء بالله ففي أمور العبادة والتكليف.
ثم يُقدِّم زكريا عليه السلام حيثيات هذا المطلب: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} [مريم: 4]
والوَهَن هو الضعف، وقال: {وَهَنَ العظم} [مريم: 4]
لأن لكل شيء قواماً في الصلابة والقوة، فمثلاً الماء له قوام معروف والدُّهْن له قوام، واللحم له قوام، والعصب والعظم وكل عناصر تكوين الإنسان، والعَظْم هو أقوى هذه الأشياء، والعَظْم في بناء الجسم البشري مثل (الشاسيه) في لغة العصر الحديث، وعلى العظم يبنى جسم الإنسان من لحم ودم وعصب، فإذا أصاب العظام وهي أقوى العناصر ضعفٌ ووهنٌ فغيرها من باب أَوْلى. لذلك، فإن الرجل العربي حينما شكا الجدب والقحط ماذا قال؟ قال: مرَّتْ بنا سنون صعبة:
@ فَسنة أذابتْ الشحم أي: بعد الجوع وعدم الطعام
@ وسنة أذهبت اللحم أي: بعد أن أنهت الشحم
@ وسنة محَّت العظم. فكأن العَظْم هو آخر مخزن من مخازن القوت في جسم الإنسان ساعة أن ينقطع عنه الطعام والشراب.
والعظم في هذه الحالة يُوجِّه غذاءه للمخ خاصة؛ لأنه ما دام في المخ بقية قبول حياة فما حدث للجسم من تلف قابل للإصلاح والعودة إلى طبيعته،
إذن: فسلامة الإنسان مرتبطة بسلامة المخ.
لذلك نجد الأطباء في الحالات الحرجة يُركِّزون اهتمامهم على سلامة المخ، ويرتبون عليه حياة الإنسان أو موته، حتى إن توقف القلب فيمكنهم بالتدليك إعادته إلى حالته الطبيعية، أما إنْ توقف المخ فهذا يعني الموت.
فكأن نبي الله زكريا عليه السلام يقول: يا رب ضعف عظمي، ولم يَعُدْ لديَّ إلا المصدر الأخير لاستقباء الحياة.
ولما كان العظم شيئاً باطناً مدفوناً تحت الجلد، فهوحيثية باطنة، فأراد زكريا عليه السلام أنْ يأتيَ بحيثية أخرى ظاهرة بينة، فأتى بأمر واضح: {واشتعل الرأس شَيْباً} [مريم: 4] فشبّه انتشار الشيب في رَأْسه باشتعال النار، فالشعر الأبيض الذي يعلوه واضح كالنار.
والمتأمل في هذا التشبيه يجد أن النار أيضاً تتغذى على الحطب وتظل مشتعلة لها لهب يعلو طالما في الحطب الحيوية النباتية التي تمد النار، فإذا ما انتهتْ هذه الحيوية النباتية في الحطب أخذت النار في التضاؤل، حتى تصير جَذْوة لا لَهبَ لها ثم تنطفىء
. واشتعال الرأس بالشيب أيضاً دليل على ضعف الجسم ووَهَن قُوته؛ لأن الشعر يكتسب لونه من مادة مُلوّنة سوداء أو حمراء أو صفراء توجد في بُصَيْلة الشعرة، وتُمد الشعرة بهذا اللون، وضعْفُ الجسم يُضعِف هذه المادة تدريجياً، حتى تختفي، وبالتالي تخرج الشعرة بيضاء، والبياض ليس لوناً، إنما البياض عدم اللون نتيجة ضَعْف الجسم وضَعْف الغُدَد التي تفرز هذا اللون.
لذلك، نجد المترفين الذين يعنون كثيراً بشعرهم ويضعُون عليه المواد المختلفة أول ما يظهر الشيب عندهم تبيض سوالفهم؛ لأن السوالف عادة بعد أنْ يُهذِّبها الحلاق تأخذ أكبر قدر من المواد الكاوية التي تؤثر على بُصيْلات الشعر وعلى هذه المادة الملونة، والشعرة مثل الأنبوبة يسهل توصيل هذه المواد منها خاصة بعد الحلاقة مباشرة وما تزال الشعرة مفتوحة.
ثم يقول: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [مريم: 4] أي: لم أكُنْ فيما مضى بسبب دعائي لك شقياً؛ لأني مُستجَابُ الدعوة عندك، فكما أكرمتني سابقاً بالإجابة فلم أكُنْ شقياً بدعائك، بل كنتُ سعيداً بالإجابة، فلا تُخلِف عادتك معي هذه المرة، واجعلني سعيداً بأنْ تُجيبني، خاصة وأن طلبي منك طاعة لك، فأنا لا أريد أنْ أخرج من الدنيا إلاَّ وأنا مطمئن على مَنْ يحمل المنهج، ويقوم بهذه المهمة من بعدي.
وأنت قد تدعو الله لأمر تحبه، فإذا لم يأْتِ ما تحبه ولم تحب حزنت وكأنك شقيت بدعائك، وقد يكون شقاءَ كذب، لأنك لا تدري الحكمة من المنع وعدم الإجابة، لا تدري أن الله تعالى يتحكم في تصرفاتك.
وربما دعوْت بأمر تراه الخير من وجهة نظرك وفي علم الله أنه لا خَيْرَ لك فيه، فمنعه عنك وعدَّل لك ما أخطأتَ فيه من تقدير الخير، فأعطاك ربك من حيث ترى أنه منعك، وأحسن إليك من حيث ترى أنه حرمك، لأنك طلبتَ الخير من حيث تعلم أنت أنه خير ومنع الله من حيث يعلم أن الخير ليس في ذلك.
الجنة التي وعد المتقون
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْـمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَـمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
من سورة محمد- آية (15)
من سورة محمد- آية (15)
السبت، 2 مايو 2020
دعوة ابراهيم
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
سورة البقرة الاية رقم 126معانى الكلمات
أضطرّه : أدفعه و أسوقه و ألجئهتفسير الشعراوى
يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} . . ومادام الله قد جعله أمنا فما هي جدوى دعوة إبراهيم أن تكون مكة بلدا آمنا. . نقول إذا رأيت طلبا لموجود فاعلم أن القصد منه هو دوام بقاء ذلك الموجود. . فكأن إبراهيم يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يديم نعمة الأمن في البيت. . ذلك لأنك عندما تقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذي نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 136] هو خاطبهم بلفظ الإيمان ثم طلب منهم أن يؤمنوا. . كيف؟ نقول إن الله سبحانه يأمرهم أن يستمروا ويداوموا على الإيمان. . ولذلك فإن كل مطلوب لموجود هو طلبٌ لاستمرار هذا الموجود. وقول إبراهيم: {رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً} . . أي يا رب إذا كنت قد جعلت هذا البيت آمنا من قبل فأمنه حتى قيام الساعة. . ليكون كل من يدخل إليه آمنا لأنه موجود في واد غير ذي زرع. . وكانت الناس في الماضي تخاف أن تذهب إليه لعدم وجود الأمان في الطريق. . أو آمنا أي أن يديم الله على كل من يدخله نعمة الإيمان. وقوله تعالى: {اجعل هذا بَلَداً آمِناً} تكررت في آية أخرى تقول: {اجعل هذا البلد آمِناً} . . فمرة جاء بها نكرة ومرة جاء بها معرفة. . نقول إن إبراهيم حين قال: {رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً} . . طلب من الله شيئين. . أن يجعل هذا المكان بلدا وأن يجعله آمنا. ما معنى أن يجعله بلدا؟ هناك أسماء تؤخذ من المحسات. . فكلمة غصب تعني سلخ الجلد عن الشاة وكأن من يأخذ شيئا من إنسان غصبا كأنه يسلخه منه بينما هو متمسك به. كلمة بلد حين تسمعها تنصرف إلى المدينة. . والبلد هو البقة تنشأ في الجلد فتميزه عن باقي الجلد كأن تكون هناك بقعة بيضاء في الوجه أو الذراعين فتكون البقعة التي ظهرت مميزة ببياض اللون. . والمكان إذا لم يكن فيه مساكن ومبان فيكون مستويا بالأرض لا تستطيع أن تميزه بسهولة. . فإذا أقمت فيه مباني جعلت فيه علامة تميزه عن باقي الأرض المحيطة به. وقوله تعالى: {وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات} . . هذه من مستلزمات الأمن لأنه مادام هناك رزق وثمرات تكون مقومات الحياة موجودة فيبقى الناس في هذا البلد. . ولكن إبراهيم قال: {وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} فكأنه طلب الرزق للمؤمنين وحدهم. . لماذا؟ لأنه حينما قال له الله: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة: 124] قال إبراهيم: {وَمِن ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] قال الله سبحانه: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124] فخشي إبراهيم وهو يطلب لمن سيقيمون في مكة أن تكون استجابة الله سبحانه كالاستجابة السابقة. . كأن يقال له لا ينال رزق الله الظالمون. فاستدرك إبراهيم وقال: {وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} . . ولكن الله سبحانه أراد أن يلفت إبراهيم إلى أن عطاء الألوهية ليس كعطاء الربوبية. . فإمامة الناس عطاء ألوهية لا يناله إلا المؤمن، أما الرزق فهو عطاء ربوبية يناله المؤمن والكافر. لأن الله هو الذي استدعانا جميعا إلى الحياة وكفل لنا جميعا رزقنا. . وكأن الحق سبحانه حين قال: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} . . كان يتحدث عن قيم المنهج التي لا تعطى إلا للمؤمن ولكن الرزق يعطى للمؤمن والكافر. . لذلك قال الله سبحانه: {وَمَن كَفَرَ} . . وفي هذا تصحيح مفاهيم بالنسبة لإبراهيم ليعرف أن كل من استدعاه الله تعالى للحياة له رزقه مؤمنا كان أو كافرا. والخير في الدنيا على الشيوع. فمادام الله قد استدعاك فإنه ضمن لك رزقك. إن الله لم يقل للشمس أشرقي على أرض المؤمن فقط، ولم يقل للهواء لا يتنفسك ظالم وإنما أعطى نعمة استبقاء الحياة واستمرارها لكل من خلق آمن أو كفر. . ولكن من كفر قال عنه الله سبحانه وتعالى: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} . . التمتع هو شيء يحبه الإنسان ويتمنى دوامه وتكراره. وقوله تعالى: {فَأُمَتِّعُهُ} دليل على دوام متعته، أي له المتعة في الدنيا. ولكل نعمة متعة، فالطعام له متعة والشراب له متعة والجنس له متعة. . إذن التمتع في الدنيا بأشياء متعددة. ولكن الله تبارك وتعالى وصفه بأنه قليل. . لأن المتعة في الدنيا مهما بلغت وتعدّدت ألوانها فهي قليلة. واقرأ قوله تعالى: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار} . . ومعنى أضطره أنه لا اختيار له في الآخرة، فكأن الإنسان له اختيار في الحياة الدنيا يأخذ هذا ويترك هذا ولكن في الآخرة ليس له اختيار. . فلا يستطيع وهو من أهل النار مثلا أن يختار الجنة بل إن أعضاءه المسخرة لخدمته في الحياة الدنيا والتي يأمرها بالمعصية فتفعل، لا ولاية له عليها في الآخرة وهذا معنى قوله سبحانه: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النور: 24] أي أن الجوارح التي كانت تطيع الكافر في المعاصي في الدنيا لا تطيعه يوم القيامة؛ فاللسان الذي كان ينطق كلمة الكفر والعياذ بالله يأتي يوم القيامة يشهد على صاحبه. . والقدم التي كانت تمشي إلى أماكن الخمر واللهو والفسوق تشهد على صاحبها، واليد التي كانت تقتل وتسرق تشهد على صاحبها. وقوله: «اضطره» معناه أن الإنسان يفقد اختياره في الآخرة ثم ينتهي إلى النار وإلى العذاب الشديد مصداقا لقوله تعالى: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار وَبِئْسَ المصير} . . أي أن الله سبحانه وتعالى يحذر الكافرين بأن لهم النار والعذاب في الآخرة ليس على اختيار منهم ولكن وهم مقهورون.--------------------------------------------------------------------------------
لن نصبر علي طعام واحد
قال تعالي (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)سورة البقرة الاية 61
معانى الكلمات
وفومها : الحنطة ، أو الثوم
وضُربت عليهم : أحاطت بهم أو ألصقت بهم
الذلّة : الذلّ و الصّغار و الهوان
والمسكنة : فقر النفس و شحّها
وباءوا بغضب : رجعوا به مستحقين له
هذه الآية الكريمة أيضا من آيات التذكير بنعم الله سبحانه وتعالى على موسى وعلى بني إسرائيل.
وكنا قد تعرضنا لمعنى طعام واحد عند ذكر المن والسلوى. . وقلنا أن تكرار نزول المن والسلوى كل يوم جعل الطعام لونا واحدا.
وكلمة واحد هي أول العدد. فإذا إنضم إليه مثله يصير اثنين. وإذا إنضم إليه مثله يصبح ثلاثة.
إذن فأصل العدد هو الواحد.
والواحد يدل على وحدة الفرد ولا يدل على وحدانية.
فإذا قلنا الله واحد فإن ذلك يعني أنه ليس كمثله أحد. . ولكنه لا يعني أنه ليس مكونا من أجزاء.
فأنت لست واحداً ولست أحداً لأنك مكون من أجزاء كما أن هناك من يشبهونك.
والشمس في مجموعتنا واحدة ولكنها ليست أحداً لأنها مكونة من أجزاء وتتفاعل.
والله سبحانه وتعالى واحد ليس كمثله شيء.
وأحد ليس مكونا من أجزاء.
ولذلك من أسمائه الحسنى الواحد الأحد.
ولا نقول أن الاسم مكرر فهذه تعني الفردية، وهذه تنفي التجزئة.
وقوله تعالى: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ} .
نلاحظ هنا أن الطعام وُصف بأنه واحد رغم أنه مكون من صنفين هما المن والسلوى.
ولكنه واحد لرتابة نزوله.
الطعام كان يأتيهم من السماء.
ولكن تعنتهم مع الله جعلهم لا يصبرون عليه فقالوا ما يدرينا لعله لا يأتي.
نريد طعاما نزرعه بأيدينا ويكون طوال الوقت أمام عيوننا. . وكأن هذه المعجزات كلها ليست كافية.
لتعطيهم الثقة في استمرار رزق الله.
إنهم يريدون أن يروا. . ألم يقولوا لموسى: {أَرِنَا الله جَهْرَةً} . . ماذا طلبوا؟ .
قالوا: {فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض} . .
{ادع لَنَا رَبَّكَ} أي أطلب من الله.
ولأن الدعاء لون من الطلب فإنك حين تتوجه إلى الله طالبا أن يعطيك.
. فإنك تدعو بذلة الداعي أمام عزة المدعو.
والطلب إن كان من أدنى إلى أعلى قيل دعاء.
ومن مساوٍ إلى مساوٍ قيل طلب.
ومن أعلى إلى أدنى قيل أمر .
لقد طلب بنو إسرائيل من موسى أن يدعو الله سبحانه وتعالى أن يخرج لهم أطعمة مما تنبت الأرض. . وعددوا ألوان الأطعمة المطلوبة.
وقالوا: {مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} . . ولكنها كلها أصناف تدل على أن من يأكلها هم من صنف العبيد.
والمعروف أن آل فرعون إستعبدوا بني إسرائيل.
ويبدو أن بني إسرائيل أحبوا حياة العبودية واستطعموها. . الحق تبارك وتعالى كان يريد أن يرفع قدرهم فنزل عليهم المن والسلوى.
ولكنهم فضلوا طعام العبيد.
والبقل ليس مقصوداً به البقول فحسب. . ولكنه كل نبات لا ساق له مثل الخس والفجل والكرات والجرجير.
والقثاء هو القتة صنف من الخيار.
والفوم هو القمح أو الثوم.
والعدس والبصل معروفان.
والله سبحانه وتعالى قبل أن يجيبهم أراد أن يؤنبهم: فقال {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} . .
عندما نسمع كلمة استبدال فاعلم أن الباء تدخل على المتروك
تقول إشتريت الثوب بدرهم.
يكون معنى ذلك إنك أخذت الثوب وتركت الدرهم.
قوله تعالى: {الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} .
أي انهم تركوا الذي هو خير وهو المن والسلوى.
وأخذوا الذي هو أدنى.
والدنو هنا لا يعني الدناءة.
لأن ما تنتجه الأرض من نعم الله لا يمكن أن يوصف بالدناءة.
ولكن الله تبارك وتعالى يخلق بالأسباب ويخلق بالأمر المباشر.
ما يخلقه الله بالأمر المباشر منه بكلمة «كن»
. يكون خيرا مما جاء بالأسباب.
لأن الخلق المباشر لا صفة لك فيه. عطاء خالص من الله. . أما الخلق بالأسباب فقد يكون لك دور فيه. .
كأن تحرث الأرض أو تبذر البذور. .
ما جاء خالصا من الله بدون أسبابك يقترب من عطاء الآخرة التي يعطي الله فيها بلا أسباب ولكن بكلمة «كن» . . ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى} [طه: 131]
فالله تبارك وتعالى يصف رزق الدنيا بأنه فتنة.
ويصف رزق الآخرة بأنه خير منه.
مع أن رزق الدنيا والآخرة، وكل رزق في هذا الوجود حتى الرزق الحرام هو من الله جل جلاله.
فلا رازق إلا الله ولكن الذي يجعل الرزق حراما هو استعجال الناس عليه فيأخذونه بطريق حرام.
ولو صبروا لجاءهم حلالا.
نقول إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزق. . ولكنه سمى رزقا فتنة وسمى رزقا خيرا منه.
ذلك أن الرزق من الله بدون أسباب أعلى وأفضل منزلة من الرزق الذي يتم بالأسباب.
إذن الحق سبحانه وتعالى حين يقول: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} . .
يكون المعنى أتستبدلون الذي هو رزق مباشر من الله تبارك وتعالى.
وهو المن والسلوى يأتيكم «بكن» قريب من رزق الآخرة بما هو أقل منه درجة وهو رزق الأسباب في الدنيا.
ولم يجب بنو إسرائيل على هذا التأنيب. وقال لهم الحق سبحانه وتعالى: {اهبطوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} .
ولا يقال لهم ذلك إلا لأنهم أصروا على الطلب برغم أن الحق جل جلاله بين لهم أن ما ينزله إليهم خير مما يطلبونه.. نلاحظ هنا أن مصر جاءت منوّنةً.
ولكن كلمة مصر حين ترد في القرآن الكريم لا ترد منونة. . ومن شرف مصر أنها ذكرت أكثر من مرة في القرآن الكريم. . نلاحظ أن مصر حينما يقصد بها وادي النيل لا يأتي أبدا منونة وإقرأ قوله تعالى: {تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} [يونس: 87]
وقوله جل جلاله: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي} [الزخرف: 51]
وقوله سبحانه: {وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21]
وقوله تبارك وتعالى: {ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ} [يوسف: 99]
كلمة مصر ذكرت في الآيات الأربع السابقة بغير تنوين. . ولكن في الآية التي نحن بصددها: {اهبطوا مِصْراً} بالتنوين. . هل مصر هذه هي مصر الواردة في الآيات المشار إليها؟ . . نقول لا.
لأن الشيء الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
إذا كان لبقعة أو مكان. . مرة تلحظ أنه بقعة فيبقى مؤنثاً. . ومرة تلحظ أنه مكان فيكون مذكرا. فإن كان بقعةً فهو علم ممنوع من الصرف. . وإن كان مكانا تكون فيه علمية وليس فيه تأنيث. ومرة تكون هناك علمية وأهمية ولكن الله صرفها في القرآن الكريم.
كلمات نوح ولوط وشعيب ومحمد وهود. . كل هذه الأسماء كان مفروضا أن تمنع من الصرف ولكنها صرفت.
فقيل في القرآن الكريم نوحا ولوط وشعيبا ومحمدا وهودا. . إذن فهل من الممكن أن تكون مصر التي جاءت في قوله تعالى: {اهبطوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ}
هي مصر التي عاشوا فيها وسط حكم فرعون. .
قوله تعالى: {اهبطوا مِصْراً} من الممكن أن يكون المعنى أي مصر من الأمصار. .
ومن الممكن أن تكون مصر التي عاش فيها فرعون
. وكلمة مصر تطلق على كل مكان له مفتي وأمير وقاض. . وهي مأخوذة من الاقتطاع.
لأنه مكان يقطع إمتداد الأرض الخلاء.
ولكن الثابت في القرآن الكريم. . إن مصر التي لم تنون هي علم على مصر التي نعيش فيها.
أما مصراً التي خضعت للتنوين فهي تعني كل وادٍ فيه زرع. . وقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} . .
الذلة هي المشقة التي تؤدي إلى الإنكسار.
ويمكن أن ترفع عنك بأن تكون في حمى غيرك فيعزك بأن يقول إنك في حماه.
. والله سبحانه وتعالى يقول عن بني إسرائيل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَ مَا ثقفوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ الله وَحَبْلٍ مِّنَ الناس} [آل عمران: 112] حبل من الله كما حدث عندما عاهدهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في المدينة.
وعاشوا في حمى العهد.
إذن بحبل من الله أي على يد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أو المؤمنين به.
وبحبل من الناس أي في حماية دولة قوية كالولايات المتحدة الأمريكية.
إذا عاهدتهم عزوا وإن تركتهم ذلوا. . وقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة} ضربت أي طبعت طبعة قوية بضربة قوية تجعل الكتابة بارزة على النقود.
ولذلك يقال ضربت في مصر.
أي أعدت بضربة قوية أذلتهم وبقيت بارزة لا يستطيعون محوها.
أما المسكنة فهي انكسار في الهيئة.
أهل الكتاب كانوا يدفعون الجزية
والجزية كانت تؤخذ من الأغنياء.
وكانوا يلبسون الملابس القذرة.
ويقفون في موقف الذل والخزي حتى لا يدفعوا الجزية. وقوله تعالى: {وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ الله} .
أي غضب الله عليهم بذنوبهم وعصيانهم.
حتى أصبح الغضب من كثرة عصيانهم كأنه سمة من سماتهم
لماذا؟
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}
أي أنهم كانوا يكفرون بالنعم ولا يشكرون. . ويكفرون بالآيات ويشترون بها ثمنا قليلا.
ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يقتلون أنبياء الله بغير حق. . الأنبياء غير الرسل.
والأنبياء أسوة سلوكية ولكنهم لا يأتون بمنهج جديد.
أما الرسل فهم أنبياء بأنهم أسوة سلوكية ورسل لأنهم جاءوا بمنهج جديد.
ولذلك كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا.
والله سبحانه وتعالى يعصم أنبياءه ورسله من الخطيئة. . ولكنه يعصم رسله من القتل فلا يقدر عليهم أعداؤهم. . فمجيء الأنبياء ضرورة.
لأنهم نماذج سلوكية تسهل على الناس التزامهم بالمنهج، وبنو إسرائيل بعث الله لهم أنبياء ليقتدوا بهم فقتلوهم. . لماذا؟
لأنهم فضحوا كذبهم وفسقهم وعدم التزامهم بالمنهج. . ولذلك تجد الكافر والعاصي وغير الملتزم يغار ويكره الملتزم بمنهج الله. ويحاول إزالته عن طريقه ولو بالقتل. . إذن فغضب الله عليهم من عصيانهم واعتدائهم على الأنبياء وما ارتكبوه من آثام.
المصدر
القرأن الكريم
خواطر الشيخ الشعراوي
# دكتورة حنان لاشين
واذ إستسقي موسي لقومه
وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ
سورة البقرة الاية رقم 60معانى الكلمات
فانفجرت : فانشقت و سالت بكثرة مشربهم : موضع شربهم ولا تعثوا في الأرض : لا تفسدوا فيها مفسدين : متمادين في الفسادتفسير الشعراوى
ومعناها: اذكر إذا استسقى موسى لقومه. . وهذه وردت كما بينا في عدة آيات في قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب} [الأعراف: 141] وقول سبحانه: {وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [البقرة: 51] وقوله جل جلاله: {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} [البقرة: 55] وقلنا أن هذه كلها نعم امتن الله بها على بني إسرائيل وهو سبحانه وتعالى يذكرهم بها. إما مباشرة وإما على لسان موسى عليه السلام. والحق يريد أن يذكر بني إسرائيل حينما تاهوا في الصحراء أنه أظلهم بالغمام. . وسقاهم حين طلبوا السقيا. . ولقد وصلت ندرة الماء عند بني إسرائيل لدرجة أنهم لم يجدوا ما يشربونه. . لأن الإنسان يبدأ الجفاف عنده لعدم وجود ماء يسقي به زرعه. . ثم يقل الماء فلا يجد ما يسقي به أنعامه. . ثم يقل الماء فلا يجد ما يشربه. . وهذا هو قمة الجفاف أو الجدب. . وموسى عليه السلام طلب السقيا من الله تبارك وتعالى. . ولا تطلب السقيا من الله إلا إذا كانت الأسباب قد نفدت. . وانتهت آخر نقطة من الماء عندهم؛ فالماء مصدر الحياة ينزله الله من السماء. . وينزله نقيا طاهرا صالحا للشرب والري والزرع وسقيا الأنعام. . والحق سبحانه وتعالى جعل ثلاثة أرباع الأرض ماء والربع يابسا. . حتى تكون مساحة سطح الماء المعرضة للتبخّر بواسطة أشعة الشمس كبيرة جدا فتسهل عملية البخر؛ فإنك إذا جئت بكوب ماء وتركته في حجرة مغلقة لمدة يومين أو ثلاثة. ثم عدت تجده ناقصا قيراطا أو قيراطين. ولكن إذا أمسكت ما في الكوب من ماء وألقيته على أرض الحجرة. . فأنه يجف قبل أن تغادرها لماذا؟ . . لأن مساحة سطح الماء هنا كبيرة. . ولذلك يتم البخر بسرعة ولا يستغرق وقتا. وهذه هي النظرية نفسها التي تتم في الكون. الله تبارك وتعالى جعل سطح الماء ثلاثة أرباع الأرض ليتم البخر في سرعة وسهولة. . فيتكون السحاب وينزل المطر نأخذ منه ما نحتاج إليه، والباقي يكون ينابيع في الأرض، مصداقا لقوله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض} [الزمر: 21] هذه الينابيع تذهب إلى أماكن لا يصلها المطر. ليشرب منها الناس مِمّا نُسميه الآبار أو المياه الجوفية. . وتشرب منها أنعامهم. . فإذا حدث جفاف يخرج الناس رجالا ونساء وصبيانا وشيوخا. يتضرعون إلى الله ليمطرهم بالماء. . ونحن إذا توسلنا بأطفالنا الرضع وبالضعفاء يمطرنا الله. وبعض الناس يقولون أن المطر ينزل بقوانين علمية ثابتة. . يصعد البخار من البحار ويصبح سحابا في طبقات الجو العليا ثم ينزل مطرا. . تلك هي القوانين الثابتة لنزوله. وأن السحاب لابد أن يكون ارتفاعه عدد كذا من الأمتار. . ليصل إلى برودة الجو التي تجعله ينزل مطرا. ولابد أن يكون السحاب ملقحا. . نقول أن هذا كله مرتبط بمتغيرات. فالريح تهب أو لا تهب. وتحمل السحاب إلى منطقة عالية باردة ولا تحمله وغير ذلك. . إذن فكل ثابت محمول على متغير. . قد تعرف أنت القوانين الثابتة. . ولكن القوانين المتغيرة لا يمكن أن تنبأ بما ستفعل ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} [الجن: 16] إذن فعوامل سقوط المطر لا تخضع لقوانين ثابتة. ولكن المتغير هو العامل الحاسم. ليسوق السحاب إلى المناطق الباردة وإلى الارتفاع المطلوب. . ولابد أن نتنبه إلى أن هناك قوانين ثابتة في الكون وقوانين تتغير. . وأن القانون المتغير هو الذي يحدث التغيير. وقوله تعالى: {وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ} . . تدل على أن هناك مُستسقى بفتح القاف وأن هناك مستسقي بكسر القاف. . مستسقي بكسر القاف أي ضارع إلى الله لينزل المطر. . أما المستسقى بفتح القاف فهو الله سبحانه وتعالى الذي ينزل المطر. . إن هذا الموقف خاص بالله تبارك وتعالى فلا توجد مخازن للمياه وليس هناك ماء في الأرض. . من أنهار أو آبار أو عيون ولا ملجأ إلا الله. . فلابد من التوسل لله تبارك وتعالى: عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن المطلب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيُسقون « بعض الناس يقولون هذا دليل على أن الميت لا يستعان به. . بدليل أن عمر ابن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لم يتوسل برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد موته، وإنما توسل بعم رسول الله. . نقول وبمن توسل عمر؟ . . أتوسل بالعباس أم بعم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ . . توسل بالرسول، وبذلك أخذنا الحجة أن الوسيلة ليست مقصورة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . وإنما تتعدى إلى أقاربه. . وهنا يأتي سؤال لماذا نقل الأمر من رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ إلى عم الرسول؟ . . نقول لأن رسول الله قد انتقل ولا ينتفع الآن بالماء. . ولكن عمه العباس هو الحي الذي ينتفع بالماء. . لذلك كان التوسل بعم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ولم يكن منطقيا أن يتوسلوا برسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وهو ميت ولا يحتاج إلى الماء. . والذين أرادوا أن يأخذوا التوسل بذوي الجاه. . نقول لهم أن الحديث ضدكم وليس معكم. . لأنه أثبت أن التوسل جائز بمن ينتسب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. لابد أن نتحدث كيف أن الحق سبحانه وتعالى بعد أن قابل بنو إسرائيل النعمة بالجحود والنكران فكيف يسقيهم؟ . . نقول إنها النبوة الرحيمة التي كانت السبب في تنزل الرحمة تلو الرحمة على بني إسرائيل. . وكان طمع موسى في رحمة الله بلا حدود. . ولذلك فإن الدعوات كانت تتوالى من موسى عليه السلام لقومه. . وكانت الاستجابة من الله تأتي. كان من المفروض لاستكمال المعنى أن يقال وإذا استسقى موسى ربه لقومه فقال يا رب اسقهم. . ولكن هذه لم تأت حذفت وجاء بعدها الإجابة: {وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} . . إذن قوله يا رب اسق قومي واستجابة الله له محذوفة لأنها مفهومة. . ولذلك جاء القرآن باللفتات الأساسية وترك اللفتات المفهومة لذكاء الناس. . تماما كما جاء في سورة النمل: الهدهد ذهب ورأى ملكة بلقيس وعرشها. وعاد إلى سليمان وأخبره. فطلب سليمان من الهدهد أن يلقي إلى ملكة سبأ وقومها كتابا وقال: {اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ قَالَتْ ياأيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 28 - 29] فسليمان أمر الهدهد أن يلقي كتابا إلى بلقيس وقومها. . والآية التي بعدها جاءت بقوله تعالى: قالت {ياأيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} كل التفاصيل حذفت من أن الهدهد أخذ الكتاب وطار إلى مملكة سبأ وألقى الكتاب أمام عرشها. . والتقطت بلقيس ملكة سبأ الكتاب وقرأته. . ودعت قومها وبدأت تروي إليهم قصة الكتاب. . كل هذا حُذف لأنه مفهوم. قال موسى يا رب اسق قومي. . والله سبحانه وتعالى قال له: إن أردت الماء لقومك. . كل هذا محذوف. . وتأتي الآية الكريمة: {اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} . {اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} لنا معها وقفة. . الإنسان حين يستسقي الله. . يطلب منه أن ينزل عليه مطرا من السماء، والحق تبارك وتعالى كان قادرا على أن ينزل على بني إسرائيل مطرا من السماء. ولكن الله جل جلاله أراد المعجزة. . فقال سأمدكم بماء ولكن من جنس ما منعكم الماء وهو الحجر الموجود تحت أرجلكم. . لن أعطيكم ماء من السماء. . ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُرِي بني إسرائيل مدى الإعجاز. . فأعطاهم الماء من الحجر الذي تحت أرجلهم. ولكن من الذي يتأثر بالضرب: الحجر أم العصا؟ . . العصا هي التي تتأثر وتتحطم والحجر لا يحدث فيه شيء. . ولكن الله سبحانه وتعالى أراد بضربة واحدة من العصا أن ينفلق الحجر. . ولذلك يقول الشاعر: أيا هازئاً من صنوف القدرْ ... بنفسك تعنف لا بالقدرْ ويا ضاربا صخرةً بالعصا ... ضربْتَ العصا أم ضربْتَ الحجرْ إن انفجار الماء من ضربة العصا دليل على أن العصا أشارت فقط إلى الصخرة فتفجر منها الماء. . وحتى لو كانت العصا من حديد. . هل تكون قادرة على أن تجعل الماء ينبع من الحجر؟ فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه كان من الممكن أن ينزل الماء من السماء. . ولكن الله أرادها نعمة مركبة. . ليعلموا أنه يستطيع أن يأتي الماء من الحجر الصلب. . وأن نبع الماء من متعلقات «كن» . هنا لابد أن ننظر إلى تعنت بني إسرائيل. قالوا لموسى هب أننا في مكان لا حجر فيه. من أين ينبع الماء؟ . . لابد أن نأخذ معنا الحجر حتى إذا عطشنا نضرب الحجر بالعصا. . ونسوا أن هناك ما يتم بالأسباب وما يتم بكلمة «كن» . . ولذلك تجد مثلا كبار الأطباء يحتارون في علاج مريض. . ثم يشفى على يد طبيب ناشئ حديث التخرج. . هل هذا الطبيب الناشئ يعرف أكثر من أساتذته الذين علموه؟ . . الجواب طبعا لا. إن التلميذ لا يتفوق على أستاذه الذي علمه فليس العلاج بالأسباب وحدها ولكن بقدرة المسبب. . ولذلك جاء موعد الشفاء على يد هذا الطبيب الناشئ. . فكشف الله له الداء وألهمه الدواء. يقول الحق سبحانه وتعالى: {فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً} لماذا اثنتا عشرة عينا. لأن اليهود كانوا يعيشون حياة انعزال. كل مجموعة منهم كانت تسمى «سبطا» لها شيخ مثل شيخ القبيلة. . والحق تبارك وتعالى يقول: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} أي كل سبط أو مجموعة ذهبت لمشرب. . نبعت العيون من الحجر امتدت متشعبة إلى الأسباط جميعا كل في مكانه. . فإذا ما أخذوا حاجتهم ضرب موسى الحجر فيجف. ولذلك نعرف أن الحجر كان يعطيهم الماء على قدر الحاجة وكانت الجهة السفلى من الحجر الملامسة للأرض. . والجهة العليا التي ضرب عليها بالعصا لم ينبع منهما شيء، أما باقي الجهات الأربع فقد نبع منها كل منها ثلاثة ينابيع. وهناك شيء في اللغة يسمونه اللفظ المشترك. . وهو الذي يستخدم في معانٍ متعددة. . فإذا قلت سقى القوم دوابهم من العين. . العين هنا عين الماء. . وإذا قلت أرسل الأمير عيونه في المدينة يعني أرسل جنوده. . وإذا قلت اشتريته بعين أي بذهب. . وإذا قلت نظر إلي بعينه شذرا أي ببصره. . إذن كلمة عين تستخدم في أشياء متعددة. . ومعناها هنا عين الماء الجارية. قوله تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} أي أن كل سبط عرف مكانه الذي يلزمه. . حتى لا يضيع من كل منهم الماء. . ولكن الإنسان حينما يكون مضطرا يلتزم بما يطلبه الله منه ويكون ملتزما بالأداء، فإذا فرج الله كربه وعادت إليه النعمة يعود إلى طغيانه. . ولذلك يقول الحق جل جلاله فيها: {كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} أي لا يكون شكركم على النعمة بالإفساد في الأرض. . واقرأ قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشكروا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 15 - 15] هنا نرى أن أهل سبأ رزقهم الله فأعرضوا عن شكره. . كانوا يتيهون بالسد الذي يحفظ لهم مياه الأمطار. . ويمدهم بما يحتاجون إليه منها طوال العام، وأخذوا يتفاخرون بعلمهم ونسوا الله الذي علمهم. . فكان هذا السد هو النكبة أو الكارثة التي أهلكت زرعهم. . كذلك حدث لبني إسرائيل، قيل لهم: {كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} فأفسدوا في الأرض ونسوا نعمة الله فنزل بهم العذاب.--------------------------------------------------------------------------------
فكلوا منها حيث شئتم رغدا
قال تعالي (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)سورة البقرة الاية 58
معانى الكلمات
رغدا : أكلاً واسعاً أو هنيئاً لاعناءَ فيه
وقولوا حِطّة : قولوا: مسألتنا يا ربنا أن تحط عنا خطايانا
تفسير الشعراوى
من هذه الآية الكريمة نعرف أن بني إسرائيل رفضوا رزق السماء من المن والسلوى مع أنه كان رزقا عاليا.
عاليا في الجودة لأنه طعام حلو نقي شهي ينزل لهم من السماء مباشرة
وعاليا في الكثرة من أنه كان يأتيهم بلا عمل وبلا تعب وبكميات هائلة تكفيهم وتزيد.
وطلبوا من موسى طعام الأرض الذي يزرعونه بأيديهم ويرونه أمامهم كل يوم فقد كانوا يخافون أن يستيقظوا يوما فلا يجدون المن والسلوى.
الحق سبحانه وتعالى يكمل لنا القصة في آية قادمة: {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ اهبطوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61]
فالله سبحانه وتعالى مازال يمتن على بني إسرائيل بنعمه وكيف قابلوها بالجحود.
فيذكرهم بإنجائهم من عذاب آل فرعون.
ويذكرهم بالبحر الذي انشق لهم فمشوا فيه ثم انقض الماء بعد ذلك على آل فرعون فأغرقهم.
ويذكرهم كيف أنهم عبدوا العجل بعد ذلك.
وكان من الممكن أن يهلكهم الله بذنوبهم. كما أهلك الأمم السابقة ولكنه عفا عنهم.
ثم يذكرهم بفضله عليهم بأن أعطاهم الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل.
ويذكرهم بأنهم طلبوا أن يروا الله جهرة. فصعقوا وماتوا ثم بعثهم الله.
ويذكرهم كيف ظللهم بالغمام من حرارة الشمس المحرقة. ورزقهم بالمن والسلوى.
ثم يذكرهم بأنهم طلبوا طعام الأرض فاستجاب لهم.
في هذه الآية يقول الحق تبارك وتعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} .
وفي آية أخرى يقول: {رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمْ} .
الفرق في المعنى أن قوله تعالى: {حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} تدل على أن هناك أصنافاً كثيرة من الطعام.
{ورَغَداً حَيْثُ شِئْتُمْ} يكون هناك صنف واحد والناس جائعون فيقبلون على الطعام.
عندما يقول الحق جل جلاله: كلوا رغداً يكون المخاطب هنا نوعين: إنسان غير جائع ولذلك تعد له ألوانا متعددة من الطعام لتغريه على الأكل.
فتقدم في هذه الحالة «حيث شئتم»
فيقال: {فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} .
فإذا كان الإنسان جوعان يرضى بأي طعام. . فيقال رغدا حيث شئتم.
إن المسألة في القرآن الكريم ليست تقديما وتأخيراً في الألفاظ.
ولكن المعنى لا يستقيم بدون هذا التغيير. . قوله تعالى {ادخلوا هذه القرية} . . والقرية هي هنا بيت المقدس أو فلسطين أو الأردن. .
الحق تبارك وتعالى يقول: {وادخلوا الباب سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المحسنين} .
والحق جل جلاله حين خاطبهم بين لنا أنهم لم يكونوا في حالة جوع شديد بحيث يأكلون أي شيء فقال: {فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً}
أي ستجدون فيها ألوانا كثيرة من الطعام تغريكم على الأكل ولو لم تكونوا جائعين.
وقوله تعالى: {وادخلوا الباب سُجَّداً} .
أي ادخلوا الباب وأنتم في منتهى الخضوع. . {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} أي حط عنا ذنوبنا يا رب.
غير أنهم حتى في الأمر يغيرون مضمونه.
ويلبسون الحق بالباطل. وهذه خاصية فيهم. . ولذلك دخلوا الباب وهم غير ساجدين. دخلوه زاحفين على ظهورهم.
مع أن ما أمرهم الله به أقل مشقة مما فعلوه.
فكأن المخالفة لم تأت من أن أوامر الله شاقة.
ولكنها أتت من الرغبة في مخالفة أمر الخالق وبدلا من أن يقولوا حطة.
أي حط عنا يا رب ذنوبنا قالوا حنطة والحنطة هي القمح. . ليطوعوا اللفظ لأغراضهم.
فكأن المسألة ليست عدم قدرة على الطاعة ولكن رغبة في المخالفة.
ومع أن الحق تبارك وتعالى وعدهم بالمغفرة والرحمة والزيادة للمحسنين. فإنهم خالفوا وعصوا. . وقوله تعالى: {وَسَنَزِيدُ المحسنين}
يأتي في الآية الكريمة: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] أي لهم أجر مثل ما فعلوا أضعافا مضاعفة. . وما هي الزيادة؟ أن يروا الله يوم القيامة. هذه هي الزيادة التي ليس لها نظير في الدنيا.
المن والسلوي
قال تعالي ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْـمَنَّ وَالسَّلْوَى )
من سورة طه- آية (80)
و قال تعالي (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) سورة البقرة الاية رقم 57
معانى الكلمات
الغمام : السحاب الأبيض الرقيق
المنّ : مادة صمغية حلوة كالعسل وطعمها كالقشدة
والسلوى : الطائر المعروف بالسّماني
فالله سبحانه وتعالى يريد أن يمتن على بني إسرائيل بنعمه ومعجزاته.
ويرينا أنه برغم كل هذه النعم عاش بنو إسرائيل في عنادهم وتعنتهم، بعد أن طلب بنو إسرائيل أن يروا الله جهرة فقتلتهم الصاعقة.
ثم بعثهم الله تبارك وتعالى لعلهم يشكرون.
ذكر لنا الحق جل جلاله نعما أخرى من نعمه على بني إسرائيل.
وقال اذكروا إذ كنتم في الصحراء وليس فيها ظل تحتمون به من حرارة الشمس القاسية.
وليس فيها مكان تستظلون فيه، لأنه لا ماء ولا نبات في الصحراء.
فظلل الله سبحانه وتعالى عليكم بالغمام.
أي جاء الغمام رحمة من الله سبحانه وتعالى.
ثم بعد ذلك جاء المن والسلوى.
والمن نقط حمراء تتجمع على أوراق الشجر بين الفجر وطلوع الشمس ، وهي موجودة حتى الآن في العراق.
وفي الصباح الباكر يأتي الناس بالملاءات البيضاء ويفرشونها تحت الشجر. ثم يهزون الشجر بعنف فتسقط القطرات الموجودة على ورق الشجر فوق الملاءات. .فيجمعونها وتصبح من أشهى أنواع الحلويات.
فيها طعم القشدة وحلاوة عسل النحل.
والمن نوع من الحلوى اللذيذة المغذية سهلة الهضم سريعة الامتصاص في الجسم.
والله سبحانه وتعالى جعله بالنسبة لهم وقود حياتهم.
وهم في الصحراء يعطيهم الطاقة.
أما السلوى فهي طير من السماء ويقال أنه السمان.
يأتيهم في جماعات كبيرة لا يعرفون مصدرها. ويبقى على الأرض حتى يمسكوا به ويذبحوه ويأكلوه.
فالله تبارك وتعالى قد رزقهم بهذا الرزق الطيب من
@ غمام يقيهم حرارة الشمس
@ ومَنّ يعطيهم وقود الحركة.
@ وسَلْوَى كغذاء لهم
وكل هذا يأتيهم من السماء دونما تعب منهم. ولكنهم لعدم إيمانهم بالغيبيات يريدون الأمر المادي وهم يخافون أن ينقطع المَنَّ والسلْوى عنهم يوما ما فماذا يفعلون؟
لو كانوا مؤمنين حقا لقالوا: إن الذي رزقنا بالمن والسلوى لن يضيعنا.
ولكن الحق جل جلاله ينزل لهم طعامهم يوميا من السماء وهم بدلا من أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر قابلوها بالجحود. وقوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} فالحق سبحانه وتعالى يتحدث للمرة الثالثة عن ظلم قوم موسى.
ففي المرة الأولى قال «وأنتم ظالمون» .
وفي الآية الثانية قال: «ظلمتم أنفسكم» .
وفي هذه الآية قال: {وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .
ولقد سبق أن قلت أنه لا أحد يستطيع أن يظلم الله لأن الله سبحانه وتعالى باق بقدرته وقوته وعظمته.
لا يقلل منها لو كفر أهل الأرض جميعا ولا يزيد فيها لو آمن أهل الأرض كلهم. فقدرة الله باقية وكلمته ماضية.
ولكن نحن الذين نظلم أنفسنا. بأن نوردها مورد التهلكة والعذاب الذي لا نجاة منه دون أن نعطيها شيئا.
إن الدنيا كما قلنا عالم أغيار. والنعمة التي أنت فيها زائلة عنك.
إما أن تتركها بالموت أو تتركك هي وتزول عنك.
وتخرج من الدنيا تحمل أعمالك فقط.
كل شيء زال وبقيت ذنوبك تحملها إلى الآخرة.
ولذلك فإن كل من عصى الله وتمرد على دينه قد ظلم نفسه لأنه قادها إلى العذاب الأبدي طمعا في نفوذ أو مال زال بعد فترة قصيرة ولم يدم. فكأنه ظلمها بأن حرمها من نعيم أبدي وأعطاها شهوة قصيرة عاجلة
المصادر
القران الكريم
خواطر الشيخ الشعراوي
#دكتورة حنان لاشين
التدريب التطبيقي علي منهج العبودية
مقدمة: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً لا يخلو عمل الإنسان من النقص، وهذا جهد بشري، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من زلل وخلل، فمني ومن الشيطان، واستغفر الله.
هذا وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، متقبلاً عنده، مقرِّباً إليه، نافعاً يوم العرض عليه، آمين
أما بعد
قال تعالي
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)
سورة البقرة الاية رقم 35
معانى الكلمات
رغداً : أكلاً واسعاً أو هنيئاً لاعناء فيه
بعد أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم وأمر الملائكة أن تسجد له وحدث كفر إبليس ومعصيته أراد الله جل جلاله أن يمارس آدم مهمته على الأرض.
ولكنه قبل أن يمارس مهمته أدخله الله في تجربة عملية عن المنهج الذي سيتبعه الإنسان في الأرض، وعن الغواية التي سيتعرض لها من إبليس. (دورة تدريبية تطبيقية علي منهجهه في الأرض)،
فالله سبحانه وتعالى رحمة منه لم يشأ أن يبدأ آدم مهمته في الوجود على أساس نظري
لأن هناك فرقا بين الكلام النظري والتجربة.
قد يقال لنا شيء ونوافق عليه من الناحية النظرية ونري أنه سهل ويمكننا تطبيقه ، ولكن عندما يأتي الفعل فإننا لا نفعل شيئا ونجدة صعبا.
ولذلك فإن التطبيق النظري يختلف عن التطبيق العملي
إذن فالفترة التي عاش فيها آدم في الجنة كانت تطبيقا عمليا لمنهج العبودية، حتى إذا ما خرج إلى مهمته لم يخرج بمبدأ نظري،
بل خرج بمنهج عملي تعرض فيه لمنهج العبودية كامل
@ إفعل ولا تفعل.
@والحلال والحرام
@ وإغواء الشيطان والمعصية.
@ثم بعد ذلك يتعلم كيف يتوب ويستغفر ويعود إلى الله. وليعرف بنو آدم أن الله لا يغلق بابه في وجه العاصي، وإنما يفتح له باب التوبة. قال تعالي ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) سورة البقرة
والله سبحانه وتعالى أسكن آدم الجنة التي خلقها الله لتكون مكان الدورة التدريبية علي منهج العبودية .
@ بعض الناس يعتقد ان جنه ادم هي جنه الخلد فهل هذا حقيقي ؟
بعض الناس يقول: أنها جنة الخلد التي سيدخل فيها المؤمنون في الآخرة وبعضهم قال: لولا أن آدم عصى لكنا نعيش في الجنة
بالمعطيات التي توجد لدينا في القرأن نقول لهم لا.
جنة الآخرة هي للآخرة ولا يعيش فيها إنسان فترة من الوقت ثم بعد ذلك يطرد منها بل هي كما أخبرنا الله تعالى جنة الخلد.
كل من دخلها عاش في نعيم أبدي.
قال تعالي ( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ) سورة التوبه ايه ٢١
ويفسرها الإمام الطبري ب
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُبَشِّرهُمْ رَبّهمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَان وَجَنَّات لَهُمْ فِيهَا نَعِيم مُقِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُبَشِّر هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه رَبّهمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ قَدْ رَحِمَهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ وَبِرِضْوَانٍ مِنْهُ لَهُمْ , بِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَأَدَائِهِمْ مَا كَلَّفَهُمْ. { وَجَنَّات } يَقُول : وَبَسَاتِين لَهُمْ فِيهَا نَعِيم مُقِيم لَا يَزُول وَلَا يَبِيد , ثَابِت دَائِم أَبَدًا لَهُمْ . 12868
قال تعالي (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿١٥ آل عمران﴾
قال تعالي (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴿٥٧ النساء﴾
قسال تعالي (نُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ﴿١٢٢ النساء﴾
قال تعالي (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿٨٥ المائدة﴾
لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴿١١٩ المائدة﴾
قال تعالي (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴿١٠٨ هود﴾
قوال تعالي (أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴿٢٣ ابراهيم﴾
قال تعالي (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴿٧٦ الفرقان﴾
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿٥٨ العنكبوت﴾
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٩ لقمان﴾
اذن ما ورد في جنة الأخرة هو الخلد والنعيم المقيم
إذن فما هي الجنة التي عاش فيها آدم وحواء؟
هذه الجنة هي جنة التجربة أو المكان الذي تمت فيه تجربة تطبيق المنهج.
ونحن إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن الحق سبحانه وتعالى قد أطلق لفظ الجنة على جنات الأرض.
والجنة تأتي من لفظ « جن» وهو الستر، ذلك أن فيها أشجارا كثيفة تستر من يعيش فيها فلا يراه أحد.
وفيها ثمرات تعطيه استمرار الحياة فلا يحتاج إلى أن يخرج منها.
ونجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الجنة إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 17 - 18] وهذه قصة الأخوة الذين كانوا يملكون جنة من جنان الأرض فمنعوا حق الفقير والمسكين واليتيم، فذهب الله بثمر الجنة كلها وأحرق أشجارها.
وهناك في سورة الكهف قصة صاحب الجنتين: في قوله تعالى: {واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} [الكهف: 32] وهي قصة ذلك الرجل الذي أعطاه الله جنتين.
فبدلا من أن يشكر الله تعالى على نعمه. كفر وأنكر البعث والحساب.
وفي سورة سبأ اقرأ قوله تعالى عن أهل سبأ الذين هداهم الله وبين لهم الطريق المستقيم ولكنهم فضلوا الكفر.
واقرأ قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشكروا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذلك جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور} [سبأ: 15 - 17]
وهكذا نرى أن الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قد أطلق لفظ الجنة على جنات الدنيا، ولم يقصره على جنة الآخرة.
إذن فآدم حين قال له الله سبحانه وتعالى: {اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} [الأعراف: 19]
فهي ليست جنة الخلد وإنما هي جنة سيطبق ويمارس فيها تجربة تطبيق منهج العبودية .
ومن المعطيات التي تنفي انها جنة الخلد وجود ابليس فيها نقول لمن يعتقدوا انها كانت جنة الخلد ، كيف دخل إبليس الجنة بعد أن عصى وكفر، لأن هذه ليست جنة الخلد ولابد أن تنتبه إلى ذلك جيدا حتى لا يقال أن معصية آدم هي التي أخرجت البشر من الجنة.
لأن الله تعالى قبل أن يخلق آدم حدد مهمته فقال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} [البقرة: 30] فآدم مخلوق للخلافة في الأرض ومن صلح من ذريته يدخل جنة الخلد في الآخرة، ومن دخل جنة الخلد عاش في النعيم خالدا.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} فالله سبحانه وتعالى أمد الجنة التي سكنها آدم وحواء بكل ما يضمن استمرار حياتهما
وكذلك خلق كل النعم التي تضمن استمرار حياة آدم وذريته في الأرض قبل أن تبدأ الحياة البشرية على الأرض.
فالله سبحانه وتعالى له عطاء ربوبية فهو الذي خلق.
وهو الذي أوجد من عدم، ولذلك فقد ضمن لخلقه ما يعطيهم استمرار الحياة على الأرض من ماء وهواء وطعام ونعم لا تعد ولا تحصى.
فكأن الله تعالى قد أمد الجنة التي سكن فيها آدم وزوجته بكل عوامل استمرار حياتهما قبل أن يسكناها.
كما أمد الأرض بكل وسائل استمرار حياة الإنسان قبل أن ينزل آدم إليها.
إذن فقوله تعالى: {يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} .
هذه فترة التدريب على تطبيق منهج العبودية.
والسكن هو المكان الذي يرتاح فيه الإنسان ويرجع إليه دائما.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} هو استكمال للمنهج. فهناك أمر ونهي افعل ولا تفعل:
@{اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} أمر
@ {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً} أمر
@{وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} نهي
وهذا أول منهج يعلم الإنسان الطاعة لله سبحانه وتعالى والامتناع عما نهى عنه
وكل رسائل السماء ومناهج الله في الأرض أمر ونهي. . افعل كذا ولا تفعل كذا.
وهكذا فإن الحق سبحانه وتعالى ضمن لآدم الحياة، وليست الحياة فقط ولكن رغدا.
أي مباحا وبلا تعب وعن سعة وبدون مشقة.
كما أننا نلاحظ هنا أن المباح كثير والممنوع قليل.
فكل ما في الجنة من الطعام والشراب مباح لآدم، ولا قيد إلا على شيء واحد.
شجرة واحدة من بين ألوف الأشجار التي كانت موجودة في الجنة.
نظرة تأملية في منهج الله التكليفي
إذا نظرنا إلى منهج الله إلى الإنسان تجد أن الله سبحانه وتعالى قد أباح فيه نعما لا تحصى ولا تعد وقيد فيه أقل القليل.
فالذي نهانا الله عنه بالنسبة لنعم الأرض هو أقل القليل، كما كان في جنة آدم شجرة واحدة والمباح بعد ذلك كثير.
بلاغة الألفاظ
وإذا أخذنا الألفاظ نجد أن الله سبحانه وتعالى ساعة يقول: {وقُلْنَا يَآءَادَمُ} أتى بضمير «ن» ضمير الجمع
و الله واحد أحد، ولكنهم يسمونها: نون الكبرياء ونون العظمة.
إذن فكل حدث يأتي فيه الحق تبارك وتعالى بنون الكبرياء ونون التعظيم.
ففي موقع التوحيد يأتي بضمير الإفراد واحد أحد.
أما في صدر الأحداث. فيأتي بضمير الكبرياء والعظمة. واقرأ قوله تعالى: {والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] وعندما أراد الحق تبارك وتعالى أن يمتدح إبراهيم قال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}
ما معنى أُمَّة؟ أي جامعا لصفات الخير التي لا تجتمع في فرد ولكنها تجتمع في أمة.
فالأمة تجتمع فيها صفات الخير. هذا متميز بالصدق، وذلك بالشجاعة. وهذا بالحلم.
فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يقول إن إبراهيم كان أمة أي أنه كان جامعا لصفات الخير.
وفي قوله {وقُلْنَا يَآءَادَمُ} آدم اسم علم على المسمى الذي هو أول خلق الله من البشر
«واسكن» تحتاج إلى عنصرين: الهدوء والاطمئنان.
هذا هو معنى اسكن. توفير الهدوء والاطمئنان، ومنه أخذ اسم السكن. وكلمة المسكن وأطلق على الزوجة
. وإذا فقد المكان الذي تسكن فيه عنصرا من هذين العنصرين وهما الهدوء والطمأنينة لا يقال عليه مسكن.
والزوجة سميت سكنا كما جاء في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]
لأن الهدوء والرحمة والبركة تتوافر في الزوجة الصالحة. والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103] أي راحة واطمئنانا ورحمة.
ويقول الحق سبحانه وتعالى: {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ} وكان من الممكن أن يقول اسكن وزوجك لأن الفاعل في فعل الأمر دائما مستتر. ولكنه سبحانه قال: اسكن أنت وزوجك.
وإياك أن تظن أن أنت هو فاعل الفعل اسكن. ولكنه ضمير جاء ليفصل بين اسكن وبين زوجك حتى لا يعطف الاسم على الفعل.
أننا لابد أن نلاحظ أن كلمة زوج تطلق على الفرد ومعه مثله. ولذلك لم يأت بتاء التأنيث. . اسكن أنت وزوجتك.
لأن الأمر التكليفي من الله. سواء فيه الذكر والأنثى. واقرأ قوله تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [غافر: 40]
إذن فهما متساويان في هذه الناحية.
هذه الجنة ماذا وفر الله سبحانه وتعالى لآدم وزوجه فيها؟ اقرأ قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى} [طه: 118 - 119]
هذه عناصر الحياة التي وفرها الله لآدم وزوجه في جنة التجربة الإيمانية العملية على التكليف.
وهكذا نرى من الأوصاف التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنا لهذه الجنة أنها ليست جنة الآخرة.
لأنه أولا فيها تكليف. في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} وجنة الآخرة لا تكليف فيها، والحق تبارك وتعالى أباح لآدم وحواء أن يأكلا كما يشاءان من الجنة.
والجنة فيها أصناف كثيرة متعددة. ولذلك قال: {حَيْثُ شِئْتُمَا} وأنت لا تستطيع أن تقدم لإنسان صنفا أو صنفين وتقول له كل ما شئت.
لأنه لا يوجد أمامه إلا مجال ضيق للاختيار، كما أن قلة عدد الأصناف تجعل النفس تمل.
ولذلك لابد أن يكون هناك أصناف متعددة وكثيرة.
ثم جاء النهي. في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} أي لا تقتربا من مكانها.
ولكن لماذا لم يقل الحق سبحانه وتعالى ولا تأكلا من هذه الشجرة؟ .
لأن الله جل جلاله رحمة بآدم وزوجه كان لا يريدهما أن يقعا في غواية المعصية.
فلو أنه قال: ولا تأكلا من هذه الشجرة لكان مباحا لهما أن يقتربا منها فتجذبهما بجمال منظرها ويقتربا من ثمارها فتفتنهما برائحتها العذبة ولونها الجذاب، حينئذ يحدث الإغواء، وتمتد أيديهما تحت هذا الإغراء إلى الشجرة ليأكلا منها.،ولكن الله تعالى يعلم أن النفس البشرية وما جبلت عليه إذا حرم عليها شيء ولم تحم حوله كان ذلك أدعى ألا تفعله.
فالله تعالى حين حرم الخمر لم يقل حرمت عليكم الخمر وإلا كنا جلسنا في مجالس الخمر ومع الذين يشربونها. أو نتاجر فيها وهذا كله إغراء بشرب الخمر. . ولكنه قال: {ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]
هذا النص الكريم قد جعلنا نبتعد عن الأماكن التي فيها الخمور.
فلا نجلس مع من يشربونها، ولا نتاجر فيها حتى لا نقع في المعصية، فإذا رأيت مكانا فيه خمر فابتعد عنه في الحال. حتى لا يغريك منظر الخمر وشاربها بأن تفعل مثله.
والحق جل جلاله يقول في المحرمات: «لا تقربوا» واجتنبوا. . أي لا تحوموا حولها.
لأنها إذا كانت غائبة عنك فلا تخطر على بالك فلا تقع فيها. ولذلك يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ والْحَرَامَ بَيِّنٌ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل مَلَكٍ حِمَى ألا وإِن حمى الله محارمه» ولقد كان بعض الناس يقبلون على شرب الخمر ويقولون إنه لم يرد فيها تحريم صريح. . فلم تأت مسبوقة بكلمة حرمت. . نقول إن كلمة اجتنبوا. أشد من التحريم. فقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} معناه ألا تنظر حتى إلى الصنم. واجتناب الخمر ألا تقع عينك عليها. . وقد اختلف الناس في نوع هذه الشجرة. وهل هي شجرة تفاح أو تين أو عنب أو غير ذلك. ونحن نقول: ليس هذا هو المقصود. ولكن المقصود هو التحريم.
لأن منهج الله سبحانه وتعالى يحلل أشياء. ويحرم أشياء. وقوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} الظلم هو الجور والتعدي على حقوق الغير.
والظالم هو من أخذ فوق ما يستحقه بغير حق.
أركان الظلم
@ يقتضي ظالما
@ومظلوما.
@وموضوعا للظلم.
فكل حق سواء كان ماديا أو معنويا يعتدي عليه إنسان بدون حق فقد حمل ظلما.
حتى الإنسان أنه أحيانا يظلم نفسه.
واقرأ قوله تعالى: {والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله} [آل عمران: 135]
إذن كيف يظلم الإنسان نفسه؟
قد يظلم الإنسان غيره.
ولكنه لا يظلم نفسه أبدا لأنه يريد أن يعطيها كل ما تشتهيه. وهذا هو عين الظلم للنفس.
لأنه أعطاها شهوة عاجلة في الدنيا.
ربما استمرت ساعات. وحرمها من نعيم أبدي في الآخرة. فكأنه ظلمها بأن أعطاها عذابا أليما في الآخرة مقابل متعة زائلة لا تدوم.
وهناك من يبيع دينه بدنياه.
ولكن أظلم الناس لنفسه من يبيع دينه. بدنيا غيره. يشهد زورا. ليرضي رئيسا. أو يتقرب لمسئول. أو يرتكب جريمة. . إذن قوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} أي من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله.
قال تعالي (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) سورة البقرة الاية رقم 36
معانى الكلمات
فأزلّهما الشّيطان : أذهَبَهُما وأبعَدَهُما
بعد أن أسكن الله سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة. وأخبرهما بما هو حلال وما هو حرام. بدأ الشيطان مهمته. مهمة عداوته الرهيبة لآدم وذريته.
والحق سبحانه يقول: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان} أي أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزلة. وهي العثرة أو الكبوة.
فكيف حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان؟ . وأبلغه أنه عدو لهما. في قوله تعالى: {. . إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} [طه: 117]
إذن فالعداوة معلنة ومسبقة.
ولنفرض أنها غير معلنة. ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد لآدم؟
ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه. في قوله {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} وقوله {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم إلى أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا.
والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدلالات الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه السجود.
بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه. . يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}
من ماذا أخرجهما؟
أخرجهما من العيش الرغيد، واسع النعمة في الجنة. ومن الهدوء والاطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بلا تعب.
ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى ويقول: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى}
وهنا لابد أن نتساءل: لماذا لم يقل فتشقيا؟
إن هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى ليلفتنا إلى مهمة المرأة ومهمة الرجل في الحياة.
فمهمة المرأة أن تكون زوجة وأم و سكنا لزوجها عندما يعود إلى بيته. ،
أما مهمة الرجل فهي العمل حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولاده. والعمل تعب وحركة.
وهكذا لفتنا الحق تبارك وتعالى إلى أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى.
وإذا كانت هذه هي الحقيقة. فلماذا يأتي العالم ليغير هذا النظام بالدعوة لخروج المرأة للعمل؟
عمل المرأة خارج البيت شقاء لها فلن يعفيها ذلك من القيام بمهامها الأساسية التي هيئها الله لها فمهمتها هي البيت. وليس عندها وقت لأي شيء آخر. فإذا عملت فذلك على حساب أولادها وبيتها وزوجها.
ومن هنا ينشأ الشقاء في المجتمع. فيضيع الأولاد.
ويهرب الزوج إلى مكان فيه امرأة تعطيه السكن الذي يحتاج إليه. وينتهي المجتمع إلى فوضى.
وكان يجب على آدم أن يتنبه إلى أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة الله، فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاما ويحتاط.
والقضية هنا كيف أزل الشيطان آدم وزوجه؟
لقد شرح الله سبحانه وتعالى لنا هذا في سورة الأعراف فقال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20]
إذن فإبليس قال كاذبا أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا. ويصبح خالدا لا يموت.
ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبت. وإنما يريدك عاصيا على أي وجه.
ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية، تريد شيئا بذاته.
وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان، ووسوسة النفس. فالشيطان يريدك عاصيا بأي ذنب. فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى.
فقد قال لآدم: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى
قال تعالي (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120))سورة طه
«ولكن هذه المحاولة لم تفلح.
فقال لهما: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين}
وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحا.
لأكل إبليس من الشجرة.، ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم الدين.
ما الذي اسقط آدم في المعصية رغم كل هذه المعطيات من موقف ابليس من السجود له وتحذير الله له ؟
إنها الغفلة أو النسيان.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلىءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115]
وهل النسيان معصية؟ حتى يقول الحق سبحانه وتعالى: {وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} [طه: 121]
نعم النسيان كان معصية في الأمم السابقة.
لذلك يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
« ونسي وعصى. تؤدي معنى واحدا.
وقوله تعالى: {قَالَ اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} [الأعراف: 24]
هذا الهبوط هو بداية نزول الإنسان إلى الأرض ليباشر مهمته في الدنيا.
ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} .
قال بن كثير رحمه الله
وقوله : ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) أي : قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة ، قد جرى بها القلم ، وأحصاها القدر ، وسطرت في الكتاب الأول
فهي إذن حياة موقوته على قدر وقتها، وعلى قدر حجمها. .و القصة هي هنا في أدم خطأ قد حدث وصُوب.
وفرق بين الخطأ والخطيئة.
فالخطأ يصوب.
ولكن الخطيئة يعاقب عليها.
وآدم أخطأ وصوب الله له.
وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه.
إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله التوبة وتاب إلى الله. . وقول الحق سبحانه وتعالى {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}
العداوة هنا بين الشيطان والإنسان.
والعداوة أيضا بين شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلى نشاط وتنبه.
فالمستشرقون يعادون الإسلام. ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليهم.
وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين. وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل.
فأنت مادام لك عدو. . فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل وأن تكون دائما يقظ له .
ولعل الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب. ففيها يحاول كل خصم أن يتغلب على خصمه. وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الأخرى. هذه الارتقاءات والاختراعات. قد تكون للتدمير والقتل. ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلى ارتقاءات الإنسان في الأرض. فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب.
والصواريخ التي وصل الإنسان بها إلى القمر كانت نتيجة حرب، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر. وقوله تعالى {اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} . .
الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلى مكان أسفل. وقد يكون لهبوط معنويا.
بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا.
هو لم يهبط من مكان أعلى إلى مكان أسفل.
ولكنه هبط في قيمته.
والمسافات لا تعني قربا أو بعدا.
فقد يكون إنسان يجلس إلى جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به.
وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الأميال ولكنه قريب إلى قلبك أكثر من ذلك الجالس إلى جوارك.
وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا. فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض.
والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة
وهكذا بعد معصية آدم. هبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض.
وقوله تعالى «اهبطوا» معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلى الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية.
لقد بين الله تعالى لآدم عمليا أن إبليس عدو له.
لا يريد له الخير.
وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان.
وقد حدد الله الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة. قدراتها محدودة. ومتاعها محدود.
في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} . أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله له من عمر ثم يموت. وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفاً لأن متاعها قليل، وأمدها قصير.
قال تعالي (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) سورة البقرة الاية رقم 37
نزل آدم وحواء إلى الأرض ليمارسا مهمتهما في الكون.
وقبل أن يبدآ هذه المهمة.
جعلهما الله سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لإغواء الشيطان.
وحذرهما بأن الشيطان عدو لهما.
كان لابد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع الله تعالى التوبة رحمة بعباده
ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده، ولكنه رحمة بالمجتمع كله. فالإنسان إذا عصى وعرف أنه.
لا توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود في النار. يتمادى في إجرامه. لأنه مادام لا أمل له في النجاة من عذاب الآخرة. فإنه يتمادى في المعصية. لأنه لا أمل في الغفران أو التوبة. من الذي سيعاني في هذه الحالة؟
إنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي.
وسيكون المؤمنون أكثر الناس معاناة لأنهم أهل خير وتسامح. ولأن الله سبحانه وتعالى. . أمرهم بالعفو. والصفح. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 22]
وقوله تعالى: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث المؤمنين على العفو.
ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: «أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر وفي العلانية. والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرا ونطقي ذكرا، ونظري عبرا»
فالتوبة لو لم تشرع لعانى المجتمع كله.
وخاصة المؤمنين الذي أمروا أن يقابلوا العدوان بالصفح والظلم بالعفو.
ولذلك كان تشريع التوبة من الله سبحانه وتعالى. رحمة بالناس كلهم.
والله جل جلاله شرع التوبة أولا.
ثم بعد أن شرعها تاب العاصي.
ثم بعد ذلك يقبل الله التوبة أو لا يقبلها تبعا لمشيئته.
واقرأ قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم} [التوبة: 118]
آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه.
أتوجد خطيئة بعد توبة آدم وقبول الله سبحانه وتعالى هذه التوبة؟
إن بعض الناس يقول أن آدم قد عصى وتاب الله عليه. وإبليس قد عصى فجعله الله خالدا في النار.
نقول: إنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم؟
أكل من الشجرة المحرمة.
وعندما علم أنه أخطأ وعصى. لم يصر على المعصية. ولم يرد الأمر على الآمر. ولكنه قال يا رب أمرك ومنهجك حق. ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني. أعترف آدم بذنبه. واعترف بضعفه. واعترف بأن المنهج حق. وطلب التوبة من الله سبحانه وتعالى.
ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. قال: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}
وقال {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم}
وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} وقال: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً}
فإبليس يعترف بذنبه. ويقول يا رب غلبني ضعفي. وأنت الحق وقولك الحق.
ولكنه رد الأمر على الله تعالى وعاند وقال سأفعل كذا وسأفعل كذا. وهذا كفر بالله.
إن الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس.
أن آدم اعترف بمعصيته وذنبه.
ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. فيكون آدم قد عصى، وإبليس قد كفر والعياذ بالله.
ويقول الحق سبحانه وتعالى: {فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}
هذه الكلمات التي تلقاها آدم. أراد العلماء أن يحصروها.
ما هذه الكلمات؟
هل هي قول آدم كما جاء في قوله تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23] هذه الآية الكريمة.
دلتنا على أن ذنب آدم لم يكن من ذنوب الاستكبار. ولكن من ذنوب الغفلة.
بينما كان ذنب إبليس من ذنوب الاستكبار على أمر الله. ولكن آدم عندما عصى حدث منه انكسار.
فقال: يا ربي أمرك بألا أقرب الشجرة حق.
ولكني لم أقدر على نفسي.
فآدم أقر بحق الله في التشريع.
بينما إبليس اعترض على هذا الأمر وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} الكلمات التي تلقاها آدم من الله سبحانه وتعالى قد تكون: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين}
. المهم أن الله سبحانه وتعالى قد أوحى لآدم بكلمات يتقرب بها إليه. سواء كانت هذه الآية الكريمة أو كلمات أخرى.
لو نظرنا إلى تعليم الله آدم لكلمات ليتوب عليه.
لوجدنا مبدأ مهما في حياة المجتمع.
لأن الله سبحانه وتعالى كما قلنا. . لو لم يشرع التوبة ولو لم يبشرنا بأنه سيقبلها.
لكان الذي يذنب ذنبا واحدا لا يرجع عن المعصية أبدا.
وكان العالم كله سيعاني..
والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ولم يخلقنا مقهورين. القهر يثبت صفة القدرة لله، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نأتي عن حب وليس عن قهر.
ولذلك خلقنا مختارين.
وجعل لنا طاقة تستطيع أن تعصي وأن تطيع.
ومادام هناك اختيار. .
فالإنسان يختار هذه أو تلك.
. إن الله لم يخلق بشرا يختارون الخير على طول الخط. وبشرا يختارون الشر في كل وقت.
فهناك من الخيرين من يقع في الشر مرة
وهناك من الشريرين من يعمل الخير مرة.
فالعبد ليس مخلوقا أن يختار خيرا مطلقا.
أو أن يختار شرا مطلقا.
ولذلك فأحيانا ننسى أو نسهو. أو نعصي. ومادام العبد معرضا للخطيئة. فالله سبحانه وتعالى شرع التوبة. حتى لا ييأس العبد من رحمة الله، ويتوب ليرجع إلى الله. وقد جاء في الحكمة: «رب معصية أورثت ذلا وانكسارا. خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا» .
وهكذا عندما نزل آدم ليباشر مهمته في الحياة.
لم يكن يحمل أي خطيئة على كتفيه.
فقد أخطأ وعلمه الله تعالى كلمات التوبة
فتاب فتقبل الله توبته.
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} . .
كلمة تواب تدل على أن الله تعالى لا يأخذ عباده بذنب واحد. لأنه سبحانه وتعالى حتى لو تاب عن ذنب واحد لكل عبد من عباده كان توابا.
والمبالغة في الصفة تأتي من ناحيتين.
أولا أن الأمر يتكرر عدة مرات من عدد قليل من الأشخاص. أو من شخص واحد.
أو أن الأمر يقع مرة واحدة ولكن من أشخاص كثيرين. . فإذا قلت مثلا: فلان أكول، قد يكون أكولا لأنه يأكل كمية كبيرة من الطعام. فيسمى أكولا.
. إنه لا يتجاوز طعامه في عدد مراته وجبات الطعام العادي للإنسان.
ولكنه يأكل كمية كبيرة. فنسميه أكولا. فيأكل مثلا عشرة أرغفة في الإفطار ومثلها في الغداء ومثلها في العشاء.
وقد يكون الإنسان أكولا إذا تكرر الفعل نفسه. .
كأن يأكل كميات الطعام العادية ولكنه يأكل في اليوم خمس عشرة مرة مثلا.
فالله سبحانه وتعالى تواب لأن خلقه كثيرون.
فلو اخطأ كل واحد منهم مرة.
يكون عدد ذنوبهم التي سيتوب الله عليها كمية هائلة.
فإذا وجد من يذنب عدة مرات في اليوم.
فإن الله تعالى. يكون توابا عنه أيضا إذا تاب واتجه إليه. . إذن مرة تأتي المبالغة.
في الحدث وإن كان الذي يقوم به شخص واحد. ومرة تأتي المبالغة في الحدث لأن من يقوم به أفراد متعددون.
. إذن فآدم أذنب ذنبا واحدا. يقتضي أن يكون الله تائبا. ولكن ذرية آدم من بعده سيكونون خلقا كثيرا. . فتأتي المبالغة من ناحية العدد. .
وقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} سيدنا عمر جاءته امرأة تصيح وتصرخ لأن ابنها ضبط سارقا.
وقالت لعمر ما سرق ابني إلا هذه المرة.
فقال لها عمر: الله أرحم بعبده من أن يأخذه من أول مرة. لابد أنه سرق من قبل.
وأنا أتحدى أن يوجد مجرم يضبط من أول مرة.
كلمة تواب تدل على أنه يضبط بعد مرتين أو ثلاث، فالله يستر عبده مرة ومرة.
ولكن إذا ازداد وتمادى في المعصية. يوقفه الله عند حده. وهذا هو معنى تواب.
والحق سبحانه وتعالى. تواب برحمته. . لأن هناك من يعفو ويظل يمن عليك بالعفو.
حتى أن المعفو عنه يقول: ليتك عاقبتني ولم تمن علي بالعفو كل ساعة.
لكن الحق سبحانه وتعالى. تواب رحيم. يتوب على العبد. ويرحمه فيمحو عنه ذنوبه
قال تعالي (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
سورة البقرة الاية رقم 38
يقول الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية: {قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً}
وفي سورة طه يقول جل جلاله {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} عندما خاطب الله سبحانه وتعالى بصورة الجمع.
كان الخطاب لكل ذرية آدم المطمورة في ظهره.
أمراً لهم جميعا بالهبوط.
آدم وحواء والذرية.
لأن كل واحد منا. إلى أن تقوم الساعة فيه جزيء من آدم. ولذلك لابد أن نلتفت إلى قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ} [الأعراف: 11]
نلاحظ هنا أن الخطاب بصيغة الجمع، فلم يقل الحق سبحانه وتعالى. لقد خلقتك ثم صورتك ثم قلت للملائكة اسجدوا لآدم، فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه ساعة الخلق كان كل ذرية آدم مطمورين في ظهره.
خلقهم جميعا ثم صورهم جميعا.
ثم طلب من الملائكة السجود لآدم.
فهل نحن كنا موجودين؟
نعم كنا موجودين في آدم.
ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: «اهبطوا» لنعرف أن هذا الخطاب موجه إلى آدم وذريته جميعا إلى يوم القيامة. ومرة يقول {اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} لأن هنا بداية تحمل المسئولية بالنسبة لآدم.
في هذه اللحظة وهي لحظة الهبوط في الأرض.
سيبدأ منهج الله مهمته في الحياة.
ومادام هناك منهج وتطبيق فردي.
تكون المسئولية فردية.
ولا يأتي الجمع هنا.
فالحق سبحانه وتعالى يقول: {اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} نلاحظ أن أمر الهبوط هنا بالمثنى.
ثم يقول تبارك وتعالى جميعا. . جمع. . نقول أنه مادامت بداية التكليف. فهناك طرفان سيواجه بعضهما البعض. الطرف الأول. هو آدم وزوجه.
والطرف الثاني هو إبليس.
فهم ثلاثة ولكنهم في معركة الإيمان.
فريقان فقط.
آدم وحواء وذريتهما فريق.
والشيطان فريق آخر.
فكأن الله تعالى يريد أن يلفتنا إلى أن هذا الهبوط يتعلق بالمنهج وتطبيقه في الأرض.
وفي المنهج آدم وحواء حريصان على الطاعة.
وإبليس حريص على أن يقودهما إلى المعصية.
وفي قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى بعد أن مر آدم بالتجربة ووقع في المعصية، علمه الله تعالى كلمات التوبة.
ونصحه أنه إذا غفل يتوب.
والله سبحانه وتعالى. . سيقبل توبته. . إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد من آدم وحواء أن يسكنا الأرض.
ويبدآ مهمتهما في الحياة.
والله يدلهما على الخير.
مصداقا لقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} .
وهدى لها معنيان.
هي بمعنى الدلالة على الخير.
أو الدلالة على الطريق الموصلة للخير.
وهناك هدى وهو الإعانة على الإيمان والزيادة فيه.
واقرأ قوله تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17]
الهدى هنا في الآية الكريمة. . بمعنى الدلالة على طريق الخير.
ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} .
ما هو الخوف وما هو الحزن؟
الخوف أن تتوقع شرا مقبلا لا قدرة لك على دفعه فتخاف منه.
والحزن أن يفوتك شيء تحبه وتتمناه.
والحق سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: من مشى في طريق الإيمان الذي دللته عليه.
وأنزلته في منهجي. فلا خوف عليهم. أي أنه لا خير سيفوتهم فيحزنوا عليه
. لأن كل الخير في منهج الله.
فالذي يتبع المنهج لا يخاف حدوث شيء أبدا.
وهذه تعطينا قضية مهمة في المجتمع. الذي لم يرتكب أية مخالفة.
هل يناله خوف؟ أبدا.
ولكن من يرتكب مخالفة تجده دائما خائفا خشية أن ينكشف أمره. .
ويفاجأ بشر لا قدرة له على دفعه.
إن الإنسان المستقيم لا يعيش الخوف. لأن الخوف أمران. إما ذنب أنا سبب فيه.
والسائر على الطريق المستقيم لم يفعل شيئا يخاف انكشافه. وإما أمر لا دخل لي فيه. يجريه على خالقي. وهذا لابد أن يكون لحكمة. قد أدركها. وقد لا أدركها ولكني أتقبلها.
فالذي يتبع هدى الله.
لا يخاف ولا يحزن.
لأنه لم يذنب. ولم يخرق قانونا. ولم يغش بشرا. أو يخفي جريمة. فلا يخاف شيئا، ولو قابله حدث مفاجئ، فقلبه مطمئن. والذين يتبعون الله. لا يخافون. ولا يخاف عليهم. . وقوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لأن الذي يعيش طائعا لمنهج الله.
ليس هناك شيء يجعله يحزن.
ذلك أن إرادته في هذه الحالة تخضع لإرادة خالقه.
فكل ما يحدث له من الله هو خير.
حتى ولو كان يبدو على السطح غير ذلك.
ملكاته منسجمة وهو في سلام مع الكون ومع نفسه. والكون لا يسمع منه إلا التسبيح والطاعة والصلاة.
وكلها رحمة.
فهو في سلام مع نفسه.
وفي سلام مع ربه.
وفي سلام مع المجتمع.
إن المجتمع دائما يسعد بالإنسان المؤمن الذي لا يفسد في الأرض.
بل يفعل كل خير.
فالمؤمن نفحة جمال تشع في الكون.
ونعمة حسن ورضا مع كل الناس ومادام الإنسان كذلك. فلن يفقد ما يسره أبدا. فإن أصابته أحداث. . أجراها الله عليه. . لا يقابلها إلا بالشكر. وإن كان لا يعرف حكمتها.
. وإياك أن تعترض على الله في حكم. ولذلك يقول: أحمدك ربي على كل قضائك وجميع قدرك. حمد الرضا بحكمك واليقين بحكمتك.
والإنسان ينفعل للأحداث وهذا طبيعي.
ولكن هناك فرق بين الانفعال للأحداث وحدها وبين الانفعال للأحداث مع حكمة مجريها.
ولذلك فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعلمنا الدقة حينما قال: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»
انظر إلى الإيمان وهو يستقبل الأحداث. . العين تدمع. ولا يكون القلب قاسيا مثل الحجر، لكن فيه حنان. والقلب يخشع لله. مقدرا حكمته وإرادته.
والله سبحانه وتعالى لا يريدنا أن نستقبل الأحداث بالحزن وحده. ولكن بالحزن مع الإيمان.
فالله لا يمنعك أن تحزن. ولكن عليك ألا تفصل الحدث عن مجريه وحكمته فيه.
ولذلك حين تذهب إلى طبيب العظام. . فيكسر لك عظامك لكي يصلحها.
هل يفعل لك خيرا أو شرا؟ طبعا يفعل لك خيرا. وإن كان ذلك يؤلمك.
قال تعالي
(وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة الاية رقم 39
الحق سبحانه وتعالى بعد أن أعلمنا أن آدم حين يهبط إلى الأرض سيتلقى من الله منهجا لحركة حياته.
من اتبعه خرج من حياته الخوف والحزن.
وأصبح آمنا في الدنيا والآخرة.
أراد الله تعالى أن يعطينا الصورة المقابلة.
فالحكم في الآية السابقة كان عن الذين اهتدوا.
والحكم في هذه الآية عن الذين كفروا.
يقول الحق تبارك وتعالى. . {والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} والكفر كما بينا هو محاولة ستر وجود الله واجب الوجود. ومحاولة ستر هذا الوجود هو إعلان بأن الله تعالى موجود. فأنت لا تحاول أن تستر شيئا إلا إذا كان له وجود أولا. .
إن الشيء الذي لا وجود له لا يحتاج إلى ستر؛ لأنه ليس موجودا في عقولنا.
وعقولنا لا تفهم ولا تسع إلا ما هو موجود. توجد الصورة الذهنية أولا.
. ثم بعد ذلك يوجد الاسم أو الصورة الكلامية. ولذلك إذا حدثك إنسان عن شيء ليس له وجود فأنت لا تفهمه.
ولا تستطيع أن تعيه إلا إذا شبه لك بموجود.
كأن يقال لك: مثل هذا الجبل أو مثل هذه البحيرة. أو مثل قرص الشمس أو غير ذلك حتى تستطيع أن تفهم. فأنت لا تفهم غير موجود إلا إذا شبه بموجود. وكل شيء لابد أن يكون قد وجد أولا.
ثم بعد ذلك تجتمع مجامع اللغة في العالم لتبحث عن لفظ يعبر عنه بعد أن وجد في الصورة الذهنية.
فلم يكن هناك اسم للصاروخ مثلا قبل أن يوجد الصاروخ. ولا لسفينة الفضاء قبل أن تخترع. ولا لأشعة الليزر قبل أن تكتشف. إذن فكل هذا وجد أولا. ووضع له الاسم بعد ذلك. الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله.
وستر وجود الله سبحانه وتعالى هو إثبات لوجوده. لأنك لا تستر شيئا غير موجود. وهكذا يكون الكفر مثبتا للإيمان. وعقلك لا يستطيع أن يفهم الاسم إلا إذا وجد المعنى في عقلك. وأنت لا تجد لغة من لغات العالم. ليس فيها اسم الله سبحانه وتعالى
. بل إن الله جل جلاله وهو غيب عنا إذا ذكر اسمه فهمه الصغير والكبير. والجاهل والعالم. والذي طاف الدنيا. والذي لم يخرج من بيته. كل هؤلاء يفهمون الله بفطرة الإيمان التي وضعها في قلوبنا جميعا. إذن الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله سبحانه وتعالى. . وقوله تعالى: {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} والآية هي الشيء العجيب اللافت. فهناك في الكون آيات كونية مثل الشمس والقمر والنجوم والأرض. والجبال والبحار وغير ذلك. هذه تسمى آيات.
شيء فوق قدرة البشر خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون آية في كونه وتخدم الإنسان.
وهناك الآيات وهي المعجزات. عندما يرسل الله رسولا أو نبيا إلى قومه فإنه سبحانه يخرق له قوانين الكون ليثبت لقومه أنه نبي مرسل من عند الله سبحانه وتعالى. وهذه الآيات مقصود بها من شهدها. لأنها تأتي لتثبيت المؤمنين بالرسل. وهم يمرون بأزمة يحتاجون فيها إلى التثبيت. ودلالة على صدق رسالة النبي لقومه. .
وتطلق الآيات على آيات القرآن الكريم. كلام الله المعجز الذي وضع فيه سبحانه وتعالى ما يثبت صدق الرسالة. إلى يوم الدين.
يحدثنا الله سبحانه في آياته. عن كيفية خلق الإنسان. وعن منهج السماء للأرض وغير ذلك.
والذين كذبوا بآيات الله. هم الكافرون. وهم المشركون. وهم الذين يرفضون الإسلام. ويحاربون الدين. هؤلاء جميعا. حدد لنا الله تعالى مصيرهم.
ولكن هل التكذيب عدم قدرة على الفهم؟
نقول أحيانا يكون التكذيب متعمدا مثلما حدث لآل فرعون عندما أصابهم الله بآفات وأمراض وبالعذاب الأصغر حتى يؤمنوا.
ولكنهم رغم يقينهم بأن هذه الآيات من الله سبحانه وتعالى. لم يعترفوا بها. . ويقول الحق جل جلاله. {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: 14]
والآيات في الكون كثيرة
. لو أننا التفتنا إليها لآمَنَّا. فهي ليست محتاجة إلى فكر.
بل إن الله تعالى، رحمة بنا جعلها ظاهرة. ليدركها الناس. كل الناس. ولكن البعض رغم ذلك يكذب بآيات الله. وهؤلاء هم الذين يريدون أن يتبعوا هوى النفس.
والحق سبحانه وتعالى جمع الكافرين والمكذبين بآيات الله في عقاب واحد. . وقال جل جلاله: {أولئك أَصْحَابُ النار} والصاحب هو الذي يألف صاحبه. ويحب أن يجلس معه. ويقضي أجمل أوقاته.
فكان قوله تعالى: أصحاب النار. دليل على عشق النار لهم. فهي تفرح بهم، عندما يدخلونها. كما يفرح الصديق بصديقه. ولا تريد أن تفارقهم أبدا. . ولذلك اقرأ الحق سبحانه وتعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30] وهكذا نرى مدى العشق، بين النار والكافرين.
إن النار تصاحبهم في كل مكان
. وهي ليست مصاحبة كريهة بالنسبة للنار. ولكنها مصاحبة تحبها النار.
فالنار حين تحرق كل كافر وآثم ومنافق تكون سعيدة. لأنها تعاقب الذين كفروا بمنهج الله وكذبوا بآياته في الحياة الدنيا.
وكذلك الحال بالنسبة للجنة. فإن الجنة أيضا تحب مصاحبة كل من آمن بالله وأخلص له العبادة وطبق منهجه. . واقرأ قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [هود: 23]
أي أن الجنة تصاحب المؤمنين. وتحبهم وتلازمهم. مثلما تصاحب النار الكافرين والمكذبين. . وكما أن النار تكون سعيدة وهي تحرق الكافر.
فالجنة تكون سعيدة وهي تمتع المؤمن. . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
أي أن العذاب فيها دائم. لا يتغير ولا يفتر. ولا يخفف. بل هو مستمر إلى الأبد.
واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: 86]
وهكذا نعرف أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل المنهج إلى الأرض مع آدم،
وأن آدم.نزل إلى الأرض ومعه الهدى ليطبق أول منهج للسماء على الأرض.
فكأن الله سبحانه وتعالى لم يترك الإنسان لحظة واحدة على الأرض دون أن يعطيه المنهج الذي يبين له طريق الهدى وطريق الضلال.
ومع المنهج شرعت التوبة.
وشرع قبول التوبة حتى لا ييأس الإنسان
. ولا يحس أنه إذا أخطأ أو نسي أصبح مصيره جهنم.
بل يحس أن أبواب السماء مفتوحة له دائما.
وأن الله الذي خلقه رحيم به إذا أخطأ فتح له أبواب التوبة وغفر له ذنوبه، حتى يحس كل إنسان برعاية الله سبحانه وتعالى له وهو على الأرض. من أول بداية الحياة.
فالمنهج موجود لمن يريد أن يؤمن.
والتوبة قائمة لكل من يخطئ.
وحذر الله سبحانه وتعالى آدم وذريته أنه من يطع ويؤمن يعش الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
ومن يكفر ويكذب.
فإن مصيره عذاب أبدي.
لقد عرف الله آدم بعدوه إبليس. وطلب منه أن يَحْذره ، وكانت قصتهم إلي أن إنتهي التدريب التطبيقي لمنهج العبودية . فماذا فعل بنو آدم؟ هل استقبلوا منهج الله بالطاعة أو بالمعصية؟ وهل تمسكوا بتعاليم الله. أو تركوها وراء ظهورهم؟
# دكتورة حنان لاشين
المصادر
القران الكريم
خواطر الشيخ الشعراوي
تفسير بن كثير
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)