السبت، 2 مايو 2020

التدريب التطبيقي علي منهج العبودية


مقدمة: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً لا يخلو عمل الإنسان من النقص، وهذا جهد بشري، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من زلل وخلل، فمني ومن الشيطان، واستغفر الله. 
هذا وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، متقبلاً عنده، مقرِّباً إليه، نافعاً يوم العرض عليه، آمين
 أما بعد

 قال تعالي 
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)
سورة البقرة الاية رقم 35
معانى الكلمات
رغداً : أكلاً واسعاً أو هنيئاً لاعناء فيه
بعد أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم وأمر الملائكة أن تسجد له وحدث كفر إبليس ومعصيته أراد الله جل جلاله أن يمارس آدم مهمته على الأرض. 

ولكنه قبل أن يمارس مهمته أدخله الله في تجربة عملية عن المنهج الذي سيتبعه الإنسان في الأرض، وعن الغواية التي سيتعرض لها من إبليس. (دورة تدريبية تطبيقية علي منهجهه في الأرض)،


فالله سبحانه وتعالى رحمة منه لم يشأ أن يبدأ آدم مهمته في الوجود على أساس نظري

 لأن هناك فرقا بين الكلام النظري والتجربة.
 قد يقال لنا شيء ونوافق عليه من الناحية النظرية ونري أنه سهل  ويمكننا تطبيقه ، ولكن عندما يأتي الفعل فإننا لا نفعل شيئا ونجدة صعبا.
ولذلك فإن التطبيق النظري يختلف عن التطبيق العملي 
 إذن فالفترة التي عاش فيها آدم في الجنة كانت تطبيقا عمليا لمنهج العبودية، حتى إذا ما خرج إلى مهمته لم يخرج بمبدأ نظري،
 بل خرج بمنهج عملي تعرض فيه لمنهج العبودية كامل 
@ إفعل ولا تفعل.
 @والحلال والحرام
@ وإغواء الشيطان والمعصية
@ثم بعد ذلك يتعلم كيف يتوب ويستغفر ويعود إلى الله. وليعرف بنو آدم أن الله لا يغلق بابه في وجه العاصي، وإنما يفتح له باب التوبة. قال تعالي ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) سورة البقرة
والله سبحانه وتعالى أسكن آدم الجنة التي خلقها الله لتكون مكان الدورة التدريبية علي منهج العبودية .
@ بعض الناس يعتقد ان جنه ادم هي جنه الخلد فهل هذا حقيقي ؟
 بعض الناس يقول: أنها جنة الخلد التي سيدخل فيها المؤمنون في الآخرة وبعضهم قال: لولا أن آدم عصى لكنا نعيش في الجنة
بالمعطيات التي توجد لدينا في القرأن  نقول لهم لا. 
 جنة الآخرة هي للآخرة ولا يعيش فيها إنسان فترة من الوقت ثم بعد ذلك يطرد منها بل هي كما أخبرنا الله تعالى جنة الخلد. 
 كل من دخلها عاش في نعيم أبدي.

قال تعالي ( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ) سورة التوبه ايه ٢١

ويفسرها الإمام الطبري ب
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُبَشِّرهُمْ رَبّهمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَان وَجَنَّات لَهُمْ فِيهَا نَعِيم مُقِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُبَشِّر هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه رَبّهمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ قَدْ رَحِمَهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ وَبِرِضْوَانٍ مِنْهُ لَهُمْ , بِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَأَدَائِهِمْ مَا كَلَّفَهُمْ. { وَجَنَّات } يَقُول : وَبَسَاتِين لَهُمْ فِيهَا نَعِيم مُقِيم لَا يَزُول وَلَا يَبِيد , ثَابِت دَائِم أَبَدًا لَهُمْ . 12868
قال تعالي (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿١٥ آل عمران﴾
قال تعالي (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴿٥٧ النساء﴾
قسال تعالي (نُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ﴿١٢٢ النساء﴾
قال تعالي (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿٨٥ المائدة﴾
لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴿١١٩ المائدة﴾
قال تعالي (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴿١٠٨ هود﴾
قوال تعالي (أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴿٢٣ ابراهيم﴾
قال تعالي (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴿٧٦ الفرقان﴾
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿٥٨ العنكبوت﴾
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٩ لقمان﴾

اذن  ما ورد في جنة الأخرة هو الخلد والنعيم المقيم 

 إذن فما هي الجنة التي عاش فيها آدم وحواء؟
هذه الجنة هي جنة التجربة أو المكان الذي تمت فيه تجربة تطبيق المنهج.
 ونحن إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن الحق سبحانه وتعالى قد أطلق لفظ الجنة على جنات الأرض.
 والجنة تأتي من لفظ « جن» وهو الستر، ذلك أن فيها أشجارا كثيفة تستر من يعيش فيها فلا يراه أحد.
 وفيها ثمرات تعطيه استمرار الحياة فلا يحتاج إلى أن يخرج منها.
 ونجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الجنة إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 17 - 18] وهذه قصة الأخوة الذين كانوا يملكون جنة من جنان الأرض فمنعوا حق الفقير والمسكين واليتيم، فذهب الله بثمر الجنة كلها وأحرق أشجارها.
 وهناك في سورة الكهف قصة صاحب الجنتين: في قوله تعالى: {واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} [الكهف: 32] وهي قصة ذلك الرجل الذي أعطاه الله جنتين. 
 فبدلا من أن يشكر الله تعالى على نعمه.  كفر وأنكر البعث والحساب.
 وفي سورة سبأ اقرأ قوله تعالى عن أهل سبأ الذين هداهم الله وبين لهم الطريق المستقيم ولكنهم فضلوا الكفر.
 واقرأ قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشكروا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذلك جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور} [سبأ: 15 - 17]
 وهكذا نرى أن الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قد أطلق لفظ الجنة على جنات الدنيا، ولم يقصره على جنة الآخرة.
 إذن فآدم حين قال له الله سبحانه وتعالى: {اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} [الأعراف: 19] 
فهي ليست جنة الخلد وإنما هي جنة سيطبق ويمارس  فيها تجربة تطبيق منهج العبودية . 
ومن المعطيات التي تنفي انها جنة الخلد  وجود ابليس فيها نقول لمن يعتقدوا انها كانت جنة الخلد ، كيف دخل إبليس الجنة بعد أن عصى وكفر، لأن هذه ليست جنة الخلد ولابد أن تنتبه إلى ذلك جيدا حتى لا يقال أن معصية آدم هي التي أخرجت البشر من الجنة.

 لأن الله تعالى قبل أن يخلق آدم حدد مهمته فقال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} [البقرة: 30] فآدم مخلوق للخلافة في الأرض ومن صلح من ذريته يدخل جنة الخلد في الآخرة، ومن دخل جنة الخلد عاش في النعيم خالدا. 


والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} فالله سبحانه وتعالى أمد الجنة التي سكنها آدم وحواء بكل ما يضمن استمرار حياتهما

 وكذلك خلق كل النعم التي تضمن استمرار حياة آدم وذريته في الأرض قبل أن تبدأ الحياة البشرية على الأرض.
 فالله سبحانه وتعالى له عطاء ربوبية فهو الذي خلق.
 وهو الذي أوجد من عدم، ولذلك فقد ضمن لخلقه ما يعطيهم استمرار الحياة على الأرض من ماء وهواء وطعام ونعم لا تعد ولا تحصى.
 فكأن الله تعالى قد أمد الجنة التي سكن فيها آدم وزوجته بكل عوامل استمرار حياتهما قبل أن يسكناها. 
كما أمد الأرض بكل وسائل استمرار حياة الإنسان قبل أن ينزل آدم إليها.
 إذن فقوله تعالى: {يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} . 
هذه فترة التدريب على تطبيق منهج العبودية. 
والسكن هو المكان الذي يرتاح فيه الإنسان ويرجع إليه دائما. 
 وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} هو استكمال للمنهج. فهناك أمر ونهي افعل ولا تفعل:
@{اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} أمر
@ {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً}              أمر 
@{وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة}     نهي

 وهذا أول منهج يعلم الإنسان الطاعة لله سبحانه وتعالى والامتناع عما نهى عنه

 وكل رسائل السماء ومناهج الله في الأرض أمر ونهي. . افعل كذا ولا تفعل كذا.
 وهكذا فإن الحق سبحانه وتعالى ضمن لآدم الحياة، وليست الحياة فقط ولكن رغدا.
 أي مباحا وبلا تعب وعن سعة وبدون مشقة. 
كما أننا نلاحظ هنا أن المباح كثير والممنوع قليل.
 فكل ما في الجنة من الطعام والشراب مباح لآدم، ولا قيد إلا على شيء واحد. 
 شجرة واحدة من بين ألوف الأشجار التي كانت موجودة في الجنة.
نظرة تأملية في منهج الله التكليفي
 إذا نظرنا إلى منهج الله إلى الإنسان تجد أن الله سبحانه وتعالى قد أباح فيه نعما لا تحصى ولا تعد وقيد فيه أقل القليل. 
 فالذي نهانا الله عنه بالنسبة لنعم الأرض هو أقل القليل، كما كان في جنة آدم شجرة واحدة والمباح بعد ذلك كثير. 
بلاغة الألفاظ 
وإذا أخذنا الألفاظ نجد أن الله سبحانه وتعالى ساعة يقول: {وقُلْنَا يَآءَادَمُ} أتى بضمير «ن» ضمير الجمع
 و الله واحد أحد، ولكنهم يسمونها: نون الكبرياء ونون العظمة.
 إذن فكل حدث يأتي فيه الحق تبارك وتعالى بنون الكبرياء ونون التعظيم.
 ففي موقع التوحيد يأتي بضمير الإفراد واحد أحد. 
 أما في صدر الأحداث. فيأتي بضمير الكبرياء والعظمة. واقرأ قوله تعالى: {والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] وعندما أراد الحق تبارك وتعالى أن يمتدح إبراهيم قال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}
ما معنى أُمَّة؟ أي جامعا لصفات الخير التي لا تجتمع في فرد ولكنها تجتمع في أمة.
 فالأمة تجتمع فيها صفات الخير.  هذا متميز بالصدق، وذلك بالشجاعة. وهذا بالحلم.
 فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يقول إن إبراهيم كان أمة أي أنه كان جامعا لصفات الخير.
 وفي قوله {وقُلْنَا يَآءَادَمُ} آدم اسم علم على المسمى الذي هو أول خلق الله من البشر 
«واسكن» تحتاج إلى عنصرين: الهدوء والاطمئنان. 
 هذا هو معنى اسكن. توفير الهدوء والاطمئنان، ومنه أخذ اسم السكن. وكلمة المسكن وأطلق على الزوجة
. وإذا فقد المكان الذي تسكن فيه عنصرا من هذين العنصرين وهما الهدوء والطمأنينة لا يقال عليه مسكن. 
والزوجة سميت سكنا كما جاء في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]
 لأن الهدوء والرحمة والبركة تتوافر في الزوجة الصالحة. والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103] أي راحة واطمئنانا ورحمة.

 ويقول الحق سبحانه وتعالى: {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ} وكان من الممكن أن يقول اسكن وزوجك لأن الفاعل في فعل الأمر دائما مستتر. ولكنه سبحانه قال: اسكن أنت وزوجك. 

 وإياك أن تظن أن أنت هو فاعل الفعل اسكن. ولكنه ضمير جاء ليفصل بين اسكن وبين زوجك حتى لا يعطف الاسم على الفعل. 

أننا لابد أن نلاحظ أن كلمة زوج تطلق على الفرد ومعه مثله. ولذلك لم يأت بتاء التأنيث. . اسكن أنت وزوجتك.

 لأن الأمر التكليفي من الله. سواء فيه الذكر والأنثى. واقرأ قوله تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [غافر: 40]
 إذن فهما متساويان في هذه الناحية. 
هذه الجنة ماذا وفر الله سبحانه وتعالى لآدم وزوجه فيها؟ اقرأ قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى} [طه: 118 - 119]
 هذه عناصر الحياة التي وفرها الله لآدم وزوجه في جنة التجربة الإيمانية العملية على التكليف.
 وهكذا نرى من الأوصاف التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنا لهذه الجنة أنها ليست جنة الآخرة.
 لأنه أولا فيها تكليف. في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} وجنة الآخرة لا تكليف فيها، والحق تبارك وتعالى أباح لآدم وحواء أن يأكلا كما يشاءان من الجنة.
 والجنة فيها أصناف كثيرة متعددة. ولذلك قال: {حَيْثُ شِئْتُمَا} وأنت لا تستطيع أن تقدم لإنسان صنفا أو صنفين وتقول له كل ما شئت.
 لأنه لا يوجد أمامه إلا مجال ضيق للاختيار، كما أن قلة عدد الأصناف تجعل النفس تمل. 
ولذلك لابد أن يكون هناك أصناف متعددة وكثيرة.
 ثم جاء النهي. في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} أي لا تقتربا من مكانها.
 ولكن لماذا لم يقل الحق سبحانه وتعالى ولا تأكلا من هذه الشجرة؟
لأن الله جل جلاله رحمة بآدم وزوجه كان لا يريدهما أن يقعا في غواية المعصية.
 فلو أنه قال: ولا تأكلا من هذه الشجرة لكان مباحا لهما أن يقتربا منها فتجذبهما بجمال منظرها ويقتربا من ثمارها فتفتنهما برائحتها العذبة ولونها الجذاب، حينئذ يحدث الإغواء، وتمتد أيديهما تحت هذا الإغراء إلى الشجرة ليأكلا منها.،ولكن الله تعالى يعلم أن النفس البشرية  وما جبلت عليه إذا حرم عليها شيء ولم تحم حوله كان ذلك أدعى ألا تفعله.

 فالله تعالى حين حرم الخمر لم يقل حرمت عليكم الخمر وإلا كنا جلسنا في مجالس الخمر ومع الذين يشربونها. أو نتاجر فيها وهذا كله إغراء بشرب الخمر. . ولكنه قال: {ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] 

هذا النص الكريم قد جعلنا نبتعد عن الأماكن التي فيها الخمور. 
فلا نجلس مع من يشربونها، ولا نتاجر فيها حتى لا نقع في المعصية، فإذا رأيت مكانا فيه خمر فابتعد عنه في الحال. حتى لا يغريك منظر الخمر وشاربها بأن تفعل مثله.

 والحق جل جلاله يقول في المحرمات: «لا تقربوا» واجتنبوا. . أي لا تحوموا حولها.

 لأنها إذا كانت غائبة عنك فلا تخطر على بالك فلا تقع فيها. ولذلك يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ والْحَرَامَ بَيِّنٌ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل مَلَكٍ حِمَى ألا وإِن حمى الله محارمه» ولقد كان بعض الناس يقبلون على شرب الخمر ويقولون إنه لم يرد فيها تحريم صريح. . فلم تأت مسبوقة بكلمة حرمت. . نقول إن كلمة اجتنبوا. أشد من التحريم. فقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} معناه ألا تنظر حتى إلى الصنم. واجتناب الخمر ألا تقع عينك عليها. . وقد اختلف الناس في نوع هذه الشجرة. وهل هي شجرة تفاح أو تين أو عنب أو غير ذلك. ونحن نقول: ليس هذا هو المقصود. ولكن المقصود هو التحريم.
 لأن منهج الله سبحانه وتعالى يحلل أشياء. ويحرم أشياء. وقوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} الظلم هو الجور والتعدي على حقوق الغير. 
والظالم هو من أخذ فوق ما يستحقه بغير حق.  
أركان الظلم 
@ يقتضي ظالما 
@ومظلوما. 
@وموضوعا للظلم.
 فكل حق سواء كان ماديا أو معنويا يعتدي عليه إنسان بدون حق فقد حمل ظلما. 
حتى الإنسان أنه أحيانا يظلم نفسه. 
واقرأ قوله تعالى: {والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله} [آل عمران: 135]
إذن كيف يظلم الإنسان نفسه؟ 
قد يظلم الإنسان غيره. 
ولكنه لا يظلم نفسه أبدا لأنه يريد أن يعطيها كل ما تشتهيه. وهذا هو عين الظلم للنفس.
 لأنه أعطاها شهوة عاجلة في الدنيا.
 ربما استمرت ساعات. وحرمها من نعيم أبدي في الآخرة. فكأنه ظلمها بأن أعطاها عذابا أليما في الآخرة مقابل متعة زائلة لا تدوم. 
 وهناك من يبيع دينه بدنياه. 
ولكن أظلم الناس لنفسه من يبيع دينه. بدنيا غيره. يشهد زورا. ليرضي رئيسا. أو يتقرب لمسئول. أو يرتكب جريمة. . إذن قوله تعالى: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} أي من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله.

قال تعالي (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) سورة البقرة الاية رقم 36

معانى الكلمات
فأزلّهما الشّيطان : أذهَبَهُما وأبعَدَهُما  
بعد أن أسكن الله سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة. وأخبرهما بما هو حلال وما هو حرام. بدأ الشيطان مهمته. مهمة عداوته الرهيبة لآدم وذريته. 
والحق سبحانه يقول: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان} أي أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزلة. وهي العثرة أو الكبوة. 
فكيف حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان؟ . وأبلغه أنه عدو لهما. في قوله تعالى: {. . إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} [طه: 117] 
إذن فالعداوة معلنة ومسبقة. 
ولنفرض أنها غير معلنة. ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد لآدم؟
 ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه. في قوله {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} وقوله {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم إلى أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا. 
 والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدلالات الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه السجود.
 بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه. . يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} 
من ماذا أخرجهما؟ 
أخرجهما من العيش الرغيد،  واسع النعمة في الجنة. ومن الهدوء والاطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بلا تعب. 

ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى ويقول: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى}

وهنا لابد أن نتساءل: لماذا لم يقل فتشقيا؟ 
إن هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى ليلفتنا  إلى مهمة المرأة ومهمة الرجل في الحياة.
 فمهمة المرأة أن تكون زوجة وأم و سكنا لزوجها عندما يعود إلى بيته. ،
 أما مهمة الرجل فهي العمل حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولاده. والعمل تعب وحركة.
 وهكذا لفتنا الحق تبارك وتعالى إلى أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى. 
وإذا كانت هذه هي الحقيقة. فلماذا يأتي العالم ليغير هذا النظام بالدعوة لخروج المرأة للعمل؟ 
عمل المرأة خارج البيت  شقاء لها فلن يعفيها ذلك من القيام بمهامها الأساسية التي هيئها الله لها  فمهمتها هي البيت. وليس عندها وقت لأي شيء آخر. فإذا عملت فذلك على حساب أولادها وبيتها وزوجها. 
 ومن هنا ينشأ الشقاء في المجتمع. فيضيع الأولاد. 
ويهرب الزوج إلى مكان فيه امرأة تعطيه السكن الذي يحتاج إليه. وينتهي المجتمع إلى فوضى. 

 وكان يجب على آدم أن يتنبه إلى أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة الله، فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاما ويحتاط. 

والقضية هنا  كيف أزل الشيطان آدم وزوجه؟
لقد شرح الله سبحانه وتعالى لنا هذا في سورة الأعراف فقال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20] 
إذن فإبليس قال كاذبا أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا. ويصبح خالدا لا يموت. 
 ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبت. وإنما يريدك عاصيا على أي وجه. 
ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية، تريد شيئا بذاته.
 وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان، ووسوسة النفس. فالشيطان يريدك عاصيا بأي ذنب. فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى

فقد قال لآدم: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى 

قال تعالي (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120))سورة طه
«ولكن هذه المحاولة لم تفلح. 
فقال لهما: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين}
وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحا. 
 لأكل إبليس من الشجرة.، ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم الدين. 

 ما الذي اسقط آدم في المعصية رغم كل هذه المعطيات من موقف ابليس من السجود له وتحذير الله له ؟ 

إنها الغفلة أو النسيان.
 والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلىءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115] 
وهل النسيان معصية؟ حتى يقول الحق سبحانه وتعالى: {وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} [طه: 121]

 نعم النسيان كان معصية في الأمم السابقة.

 لذلك يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه 
« ونسي وعصى. تؤدي معنى واحدا. 
 وقوله تعالى: {قَالَ اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} [الأعراف: 24]
هذا الهبوط هو بداية نزول الإنسان إلى الأرض ليباشر مهمته في الدنيا.
 ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} .
قال بن كثير رحمه الله
 وقوله : ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) أي : قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة ، قد جرى بها القلم ، وأحصاها القدر ، وسطرت في الكتاب الأول

 فهي إذن حياة موقوته على قدر وقتها، وعلى قدر حجمها. .و القصة هي هنا في أدم  خطأ قد حدث وصُوب.


 وفرق بين الخطأ والخطيئة.

 فالخطأ يصوب.
 ولكن الخطيئة يعاقب عليها. 
وآدم أخطأ وصوب الله له. 
وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه. 
إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله التوبة وتاب إلى الله.  . وقول الحق سبحانه وتعالى {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 
العداوة هنا بين الشيطان والإنسان. 
والعداوة أيضا بين شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلى نشاط وتنبه.
 فالمستشرقون يعادون الإسلام. ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليهم.
 وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين. وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل.
 فأنت مادام لك عدو. . فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل وأن تكون دائما يقظ له .
 ولعل الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب. ففيها يحاول كل خصم أن يتغلب على خصمه. وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الأخرى. هذه الارتقاءات والاختراعات. قد تكون للتدمير والقتل. ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلى ارتقاءات الإنسان في الأرض. فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب.
 والصواريخ التي وصل الإنسان بها إلى القمر كانت نتيجة حرب، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر. وقوله تعالى {اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} . .
الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلى مكان أسفل. وقد يكون لهبوط معنويا. 
بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا. 
هو لم يهبط من مكان أعلى إلى مكان أسفل. 
ولكنه هبط في قيمته.
 والمسافات لا تعني قربا أو بعدا.
 فقد يكون إنسان يجلس إلى جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به. 
وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الأميال ولكنه قريب إلى قلبك أكثر من ذلك الجالس إلى جوارك. 
وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا. فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض. 
والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة
 وهكذا بعد معصية آدم. هبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض. 
 وقوله تعالى «اهبطوا» معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلى الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية.

 لقد بين الله تعالى لآدم عمليا أن إبليس عدو له. 

لا يريد له الخير.
 وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان.
 وقد حدد الله الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة. قدراتها محدودة. ومتاعها محدود. 
 في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} . أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله له من عمر ثم يموت. وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفاً لأن متاعها قليل، وأمدها قصير.


قال تعالي (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)  سورة البقرة الاية رقم 37  

نزل آدم وحواء إلى الأرض ليمارسا مهمتهما في الكون.
 وقبل أن يبدآ هذه المهمة.
 جعلهما الله سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لإغواء الشيطان. 
وحذرهما بأن الشيطان عدو لهما. 
كان لابد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع الله تعالى التوبة رحمة بعباده
 ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده، ولكنه رحمة بالمجتمع كله. فالإنسان إذا عصى وعرف أنه. 
 لا توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود في النار. يتمادى في إجرامه. لأنه مادام لا أمل له في النجاة من عذاب الآخرة. فإنه يتمادى في المعصية. لأنه لا أمل في الغفران أو التوبة.  من الذي سيعاني في هذه الحالة؟
 إنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي.
 وسيكون المؤمنون أكثر الناس معاناة لأنهم أهل خير وتسامح. ولأن الله سبحانه وتعالى. . أمرهم بالعفو. والصفح. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 22]
وقوله تعالى: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث المؤمنين على العفو.
 ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: «أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر وفي العلانية. والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرا ونطقي ذكرا، ونظري عبرا» 
فالتوبة لو لم تشرع لعانى المجتمع كله. 
وخاصة المؤمنين الذي أمروا أن يقابلوا العدوان بالصفح والظلم بالعفو. 
ولذلك كان تشريع التوبة من الله سبحانه وتعالى. رحمة بالناس كلهم. 
والله جل جلاله شرع التوبة أولا.
 ثم بعد أن شرعها تاب العاصي.
 ثم بعد ذلك يقبل الله التوبة أو لا يقبلها تبعا لمشيئته.
 واقرأ قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم} [التوبة: 118]
آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه. 
أتوجد خطيئة بعد توبة آدم وقبول الله سبحانه وتعالى هذه التوبة؟
 إن بعض الناس يقول أن آدم قد عصى وتاب الله عليه. وإبليس قد عصى فجعله الله خالدا في النار.
 نقول: إنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم؟ 
أكل من الشجرة المحرمة.
 وعندما علم أنه أخطأ وعصى. لم يصر على المعصية. ولم يرد الأمر على الآمر. ولكنه قال يا رب أمرك ومنهجك حق. ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني. أعترف آدم بذنبه. واعترف بضعفه. واعترف بأن المنهج حق. وطلب التوبة من الله سبحانه وتعالى.

 ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. قال: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}

وقال {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم}
وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} وقال: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} 
فإبليس  يعترف بذنبه. ويقول يا رب غلبني ضعفي. وأنت الحق وقولك الحق. 
ولكنه رد الأمر على الله تعالى وعاند وقال سأفعل كذا وسأفعل كذا. وهذا كفر بالله.
 إن الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس. 
أن آدم اعترف بمعصيته وذنبه. 
ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. فيكون آدم قد عصى، وإبليس قد كفر والعياذ بالله.

 ويقول الحق سبحانه وتعالى: {فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}

هذه الكلمات التي تلقاها آدم. أراد العلماء أن يحصروها. 
ما هذه الكلمات؟ 
هل هي قول آدم كما جاء في قوله تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23] هذه الآية الكريمة.
 دلتنا على أن ذنب آدم لم يكن من ذنوب الاستكبار. ولكن من ذنوب الغفلة. 

 بينما كان ذنب إبليس من ذنوب الاستكبار على أمر الله. ولكن آدم عندما عصى حدث منه انكسار.

 فقال: يا ربي أمرك بألا أقرب الشجرة حق.
 ولكني لم أقدر على نفسي. 
فآدم أقر بحق الله في التشريع. 
بينما إبليس اعترض على هذا الأمر وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} الكلمات التي تلقاها آدم من الله سبحانه وتعالى قد تكون: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين}
. المهم أن الله سبحانه وتعالى قد أوحى لآدم بكلمات يتقرب بها إليه. سواء كانت هذه الآية الكريمة أو كلمات أخرى.

 لو نظرنا إلى تعليم الله آدم لكلمات ليتوب عليه.


 لوجدنا مبدأ مهما في حياة المجتمع.

 لأن الله سبحانه وتعالى كما قلنا. . لو لم يشرع التوبة ولو لم يبشرنا بأنه سيقبلها.
 لكان الذي يذنب ذنبا واحدا لا يرجع عن المعصية أبدا. 
وكان العالم كله سيعاني.. 
والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ولم يخلقنا مقهورين. القهر يثبت صفة القدرة لله، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نأتي عن حب وليس عن قهر.

 ولذلك خلقنا مختارين. 

وجعل لنا طاقة تستطيع أن تعصي وأن تطيع. 
ومادام هناك اختيار. .
 فالإنسان يختار هذه أو تلك. 
. إن الله لم يخلق بشرا يختارون الخير على طول الخط. وبشرا يختارون الشر في كل وقت. 
فهناك من الخيرين من يقع في الشر مرة
 وهناك من الشريرين من يعمل الخير مرة. 
فالعبد ليس مخلوقا أن يختار خيرا مطلقا.
 أو أن يختار شرا مطلقا. 
 ولذلك فأحيانا ننسى أو نسهو. أو نعصي. ومادام العبد معرضا للخطيئة. فالله سبحانه وتعالى شرع التوبة. حتى لا ييأس العبد من رحمة الله، ويتوب ليرجع إلى الله. وقد جاء في الحكمة: «رب معصية أورثت ذلا وانكسارا. خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا»
وهكذا عندما نزل آدم ليباشر مهمته في الحياة.
 لم يكن يحمل أي خطيئة على كتفيه. 
فقد أخطأ وعلمه الله تعالى كلمات التوبة
 فتاب فتقبل الله توبته. 
 وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} . .
كلمة تواب تدل على أن الله تعالى لا يأخذ عباده بذنب واحد. لأنه سبحانه وتعالى حتى لو تاب عن ذنب واحد لكل عبد من عباده كان توابا.
 والمبالغة في الصفة تأتي من ناحيتين.
 أولا أن الأمر يتكرر عدة مرات من عدد قليل من الأشخاص. أو من شخص واحد.
 أو أن الأمر يقع مرة واحدة ولكن من أشخاص كثيرين. . فإذا قلت مثلا: فلان أكول، قد يكون أكولا لأنه يأكل كمية كبيرة من الطعام. فيسمى أكولا.
. إنه لا يتجاوز طعامه في عدد مراته وجبات الطعام العادي للإنسان. 
ولكنه يأكل كمية كبيرة. فنسميه أكولا. فيأكل مثلا عشرة أرغفة في الإفطار ومثلها في الغداء ومثلها في العشاء.
 وقد يكون الإنسان أكولا إذا تكرر الفعل نفسه. .
كأن يأكل كميات الطعام العادية ولكنه يأكل في اليوم خمس عشرة مرة مثلا. 
 فالله سبحانه وتعالى تواب لأن خلقه كثيرون.
 فلو اخطأ كل واحد منهم مرة.
 يكون عدد ذنوبهم التي سيتوب الله عليها كمية هائلة. 
فإذا وجد من يذنب عدة مرات في اليوم. 
فإن الله تعالى. يكون توابا عنه أيضا إذا تاب واتجه إليه. . إذن مرة تأتي المبالغة.
 في الحدث وإن كان الذي يقوم به شخص واحد. ومرة تأتي المبالغة في الحدث لأن من يقوم به أفراد متعددون. 
. إذن فآدم أذنب ذنبا واحدا. يقتضي أن يكون الله تائبا. ولكن ذرية آدم من بعده سيكونون خلقا كثيرا. . فتأتي المبالغة من ناحية العدد. . 
وقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} سيدنا عمر جاءته امرأة تصيح وتصرخ لأن ابنها ضبط سارقا. 
وقالت لعمر ما سرق ابني إلا هذه المرة.
 فقال لها عمر: الله أرحم بعبده من أن يأخذه من أول مرة. لابد أنه سرق من قبل. 
 وأنا أتحدى أن يوجد مجرم يضبط من أول مرة.
 كلمة تواب تدل على أنه يضبط بعد مرتين أو ثلاث، فالله يستر عبده مرة ومرة. 
ولكن إذا ازداد وتمادى في المعصية. يوقفه الله عند حده. وهذا هو معنى تواب.
 والحق سبحانه وتعالى. تواب برحمته. . لأن هناك من يعفو ويظل يمن عليك بالعفو.
 حتى أن المعفو عنه يقول: ليتك عاقبتني ولم تمن علي بالعفو كل ساعة. 
لكن الحق سبحانه وتعالى. تواب رحيم. يتوب على العبد. ويرحمه فيمحو عنه ذنوبه

قال تعالي (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
سورة البقرة الاية رقم 38  

يقول الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية: {قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً}

 وفي سورة طه يقول جل جلاله {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} عندما خاطب الله سبحانه وتعالى بصورة الجمع.
 كان الخطاب لكل ذرية آدم المطمورة في ظهره.
 أمراً لهم جميعا بالهبوط. 
آدم وحواء والذرية.
 لأن كل واحد منا. إلى أن تقوم الساعة فيه جزيء من آدم. ولذلك لابد أن نلتفت إلى قول الحق تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ} [الأعراف: 11] 
نلاحظ هنا أن الخطاب بصيغة الجمع، فلم يقل الحق سبحانه وتعالى. لقد خلقتك ثم صورتك ثم قلت للملائكة اسجدوا لآدم، فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه ساعة الخلق كان كل ذرية آدم مطمورين في ظهره. 

خلقهم جميعا ثم صورهم جميعا.

 ثم طلب من الملائكة السجود لآدم.
 فهل نحن كنا موجودين؟ 
نعم كنا موجودين في آدم. 
ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: «اهبطوا» لنعرف أن هذا الخطاب موجه إلى آدم وذريته جميعا إلى يوم القيامة. ومرة يقول {اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} لأن هنا بداية تحمل المسئولية بالنسبة لآدم.
 في هذه اللحظة وهي لحظة الهبوط في الأرض.
 سيبدأ منهج الله مهمته في الحياة. 
ومادام هناك منهج وتطبيق فردي. 
تكون المسئولية فردية. 
ولا يأتي الجمع هنا. 
فالحق سبحانه وتعالى يقول: {اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} نلاحظ أن أمر الهبوط هنا بالمثنى. 
ثم يقول تبارك وتعالى جميعا. . جمع. . نقول أنه مادامت بداية التكليف. فهناك طرفان سيواجه بعضهما البعض. الطرف الأول. هو آدم وزوجه. 
والطرف الثاني هو إبليس. 
فهم ثلاثة ولكنهم في معركة الإيمان.
 فريقان فقط.
 آدم وحواء وذريتهما فريق.
 والشيطان فريق آخر. 

فكأن الله تعالى يريد أن يلفتنا إلى أن هذا الهبوط يتعلق بالمنهج وتطبيقه في الأرض.


 وفي المنهج آدم وحواء حريصان على الطاعة.

 وإبليس حريص على أن يقودهما إلى المعصية. 
وفي قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى بعد أن مر آدم بالتجربة ووقع في المعصية، علمه الله تعالى كلمات التوبة.
 ونصحه أنه إذا غفل يتوب.
 والله سبحانه وتعالى. . سيقبل توبته. . إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد من آدم وحواء أن يسكنا الأرض.
 ويبدآ مهمتهما في الحياة.
 والله يدلهما على الخير.
 مصداقا لقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى}
وهدى لها معنيان. 
 هي بمعنى الدلالة على الخير.
 أو الدلالة على الطريق الموصلة للخير.
 وهناك هدى وهو الإعانة على الإيمان والزيادة فيه.
 واقرأ قوله تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17] 
الهدى هنا في الآية الكريمة. . بمعنى الدلالة على طريق الخير.
 ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . 
ما هو الخوف وما هو الحزن؟ 
الخوف أن تتوقع شرا مقبلا لا قدرة لك على دفعه فتخاف منه.
 والحزن أن يفوتك شيء تحبه وتتمناه.

 والحق سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: من مشى في طريق الإيمان الذي دللته عليه.

 وأنزلته في منهجي. فلا خوف عليهم. أي أنه لا خير سيفوتهم فيحزنوا عليه
. لأن كل الخير في منهج الله. 
فالذي يتبع المنهج لا يخاف حدوث شيء أبدا. 

وهذه تعطينا قضية مهمة في المجتمع. الذي لم يرتكب أية مخالفة. 

 هل يناله خوف؟ أبدا. 
 ولكن من يرتكب مخالفة تجده دائما خائفا خشية أن ينكشف أمره. .
 ويفاجأ بشر لا قدرة له على دفعه. 
إن الإنسان المستقيم لا يعيش الخوف. لأن الخوف أمران. إما ذنب أنا سبب فيه. 
والسائر على الطريق المستقيم لم يفعل شيئا يخاف انكشافه. وإما أمر لا دخل لي فيه. يجريه على خالقي. وهذا لابد أن يكون لحكمة. قد أدركها. وقد لا أدركها ولكني أتقبلها. 
فالذي يتبع هدى الله. 
لا يخاف ولا يحزن. 
لأنه لم يذنب. ولم يخرق قانونا. ولم يغش بشرا. أو يخفي جريمة. فلا يخاف شيئا، ولو قابله حدث مفاجئ، فقلبه مطمئن. والذين يتبعون الله. لا يخافون. ولا يخاف عليهم. . وقوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لأن الذي يعيش طائعا لمنهج الله. 
 ليس هناك شيء يجعله يحزن.
 ذلك أن إرادته في هذه الحالة تخضع لإرادة خالقه. 
فكل ما يحدث له من الله هو خير. 
حتى ولو كان يبدو على السطح غير ذلك. 
ملكاته منسجمة وهو في سلام مع الكون ومع نفسه. والكون لا يسمع منه إلا التسبيح والطاعة والصلاة. 
وكلها رحمة. 
فهو في سلام مع نفسه.
 وفي سلام مع ربه.
 وفي سلام مع المجتمع.
 إن المجتمع دائما يسعد بالإنسان المؤمن الذي لا يفسد في الأرض.
 بل يفعل كل خير. 
فالمؤمن نفحة جمال تشع في الكون.
 ونعمة حسن ورضا مع كل الناس ومادام الإنسان كذلك. فلن يفقد ما يسره أبدا. فإن أصابته أحداث. . أجراها الله عليه. . لا يقابلها إلا بالشكر. وإن كان لا يعرف حكمتها. 
. وإياك أن تعترض على الله في حكم. ولذلك يقول: أحمدك ربي على كل قضائك وجميع قدرك. حمد الرضا بحكمك واليقين بحكمتك. 

 والإنسان ينفعل للأحداث وهذا طبيعي.

ولكن هناك فرق بين الانفعال للأحداث وحدها وبين الانفعال للأحداث مع حكمة مجريها.

 ولذلك فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعلمنا الدقة حينما قال: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»


انظر إلى الإيمان وهو يستقبل الأحداث. . العين تدمع. ولا يكون القلب قاسيا مثل الحجر، لكن فيه حنان. والقلب يخشع لله. مقدرا حكمته وإرادته. 

 والله سبحانه وتعالى لا يريدنا أن نستقبل الأحداث بالحزن وحده. ولكن بالحزن مع الإيمان.
 فالله لا يمنعك أن تحزن. ولكن عليك ألا تفصل الحدث عن مجريه وحكمته فيه. 
 ولذلك حين تذهب إلى طبيب العظام. . فيكسر لك عظامك لكي يصلحها. 
هل يفعل لك خيرا أو شرا؟ طبعا يفعل لك خيرا. وإن كان ذلك يؤلمك.
قال تعالي 
(وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)  سورة البقرة الاية رقم 39
الحق سبحانه وتعالى بعد أن أعلمنا أن آدم حين يهبط إلى الأرض سيتلقى من الله منهجا لحركة حياته. 
من اتبعه خرج من حياته الخوف والحزن.
 وأصبح آمنا في الدنيا والآخرة. 
أراد الله تعالى أن يعطينا الصورة المقابلة. 
فالحكم في الآية السابقة كان عن الذين اهتدوا.
 والحكم في هذه الآية عن الذين كفروا. 
يقول الحق تبارك وتعالى. . {والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} والكفر كما بينا هو محاولة ستر وجود الله واجب الوجود. ومحاولة ستر هذا الوجود هو إعلان بأن الله تعالى موجود. فأنت لا تحاول أن تستر شيئا إلا إذا كان له وجود أولا. .

 إن الشيء الذي لا وجود له لا يحتاج إلى ستر؛ لأنه ليس موجودا في عقولنا.
 وعقولنا لا تفهم ولا تسع إلا ما هو موجود. توجد الصورة الذهنية أولا.
 . ثم بعد ذلك يوجد الاسم أو الصورة الكلامية. ولذلك إذا حدثك إنسان عن شيء ليس له وجود فأنت لا تفهمه.

 ولا تستطيع أن تعيه إلا إذا شبه لك بموجود. 
كأن يقال لك: مثل هذا الجبل أو مثل هذه البحيرة. أو مثل قرص الشمس أو غير ذلك حتى تستطيع أن تفهم. فأنت لا تفهم غير موجود إلا إذا شبه بموجود. وكل شيء لابد أن يكون قد وجد أولا. 

ثم بعد ذلك تجتمع مجامع اللغة في العالم لتبحث عن لفظ يعبر عنه بعد أن وجد في الصورة الذهنية. 
فلم يكن هناك اسم للصاروخ مثلا قبل أن يوجد الصاروخ. ولا لسفينة الفضاء قبل أن تخترع. ولا لأشعة الليزر قبل أن تكتشف. إذن فكل هذا وجد أولا. ووضع له الاسم بعد ذلك. الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله. 

وستر وجود الله سبحانه وتعالى هو إثبات لوجوده. لأنك لا تستر شيئا غير موجود. وهكذا يكون الكفر مثبتا للإيمان. وعقلك لا يستطيع أن يفهم الاسم إلا إذا وجد المعنى في عقلك. وأنت لا تجد لغة من لغات العالم. ليس فيها اسم الله سبحانه وتعالى
. بل إن الله جل جلاله وهو غيب عنا إذا ذكر اسمه فهمه الصغير والكبير. والجاهل والعالم. والذي طاف الدنيا. والذي لم يخرج من بيته. كل هؤلاء يفهمون الله بفطرة الإيمان التي وضعها في قلوبنا جميعا. إذن الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله سبحانه وتعالى. . وقوله تعالى: {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} والآية هي الشيء العجيب اللافت. فهناك في الكون آيات كونية مثل الشمس والقمر والنجوم والأرض. والجبال والبحار وغير ذلك. هذه تسمى آيات.

 شيء فوق قدرة البشر خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون آية في كونه وتخدم الإنسان. 

وهناك الآيات وهي المعجزات. عندما يرسل الله رسولا أو نبيا إلى قومه فإنه سبحانه يخرق له قوانين الكون ليثبت لقومه أنه نبي مرسل من عند الله سبحانه وتعالى. وهذه الآيات مقصود بها من شهدها. لأنها تأتي لتثبيت المؤمنين بالرسل. وهم يمرون بأزمة يحتاجون فيها إلى التثبيت. ودلالة على صدق رسالة النبي لقومه. .

 وتطلق الآيات على آيات القرآن الكريم. كلام الله المعجز الذي وضع فيه سبحانه وتعالى ما يثبت صدق الرسالة. إلى يوم الدين.

 يحدثنا الله سبحانه في آياته. عن كيفية خلق الإنسان. وعن منهج السماء للأرض وغير ذلك. 

والذين كذبوا بآيات الله. هم الكافرون. وهم المشركون. وهم الذين يرفضون الإسلام. ويحاربون الدين. هؤلاء جميعا. حدد لنا الله تعالى مصيرهم.

 ولكن هل التكذيب عدم قدرة على الفهم؟
 نقول أحيانا يكون التكذيب متعمدا مثلما حدث لآل فرعون عندما أصابهم الله بآفات وأمراض وبالعذاب الأصغر حتى يؤمنوا.
 ولكنهم رغم يقينهم بأن هذه الآيات من الله سبحانه وتعالى. لم يعترفوا بها. . ويقول الحق جل جلاله. {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: 14]
 والآيات في الكون كثيرة
. لو أننا التفتنا إليها لآمَنَّا. فهي ليست محتاجة إلى فكر.
 بل إن الله تعالى، رحمة بنا جعلها ظاهرة. ليدركها الناس. كل الناس. ولكن البعض رغم ذلك يكذب بآيات الله. وهؤلاء هم الذين يريدون أن يتبعوا هوى النفس. 

والحق سبحانه وتعالى جمع الكافرين والمكذبين بآيات الله في عقاب واحد. . وقال جل جلاله: {أولئك أَصْحَابُ النار} والصاحب هو الذي يألف صاحبه. ويحب أن يجلس معه. ويقضي أجمل أوقاته.

 فكان قوله تعالى: أصحاب النار. دليل على عشق النار لهم. فهي تفرح بهم، عندما يدخلونها. كما يفرح الصديق بصديقه. ولا تريد أن تفارقهم أبدا. . ولذلك اقرأ الحق سبحانه وتعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30] وهكذا نرى مدى العشق، بين النار والكافرين.

 إن النار تصاحبهم في كل مكان
. وهي ليست مصاحبة كريهة بالنسبة للنار. ولكنها مصاحبة تحبها النار.
 فالنار حين تحرق كل كافر وآثم ومنافق تكون سعيدة. لأنها تعاقب الذين كفروا بمنهج الله وكذبوا بآياته في الحياة الدنيا. 

 وكذلك الحال بالنسبة للجنة. فإن الجنة أيضا تحب مصاحبة كل من آمن بالله وأخلص له العبادة وطبق منهجه. . واقرأ قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [هود: 23] 

أي أن الجنة تصاحب المؤمنين. وتحبهم وتلازمهم. مثلما تصاحب النار الكافرين والمكذبين. . وكما أن النار تكون سعيدة وهي تحرق الكافر.

 فالجنة تكون سعيدة وهي تمتع المؤمن. . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
 أي أن العذاب فيها دائم. لا يتغير ولا يفتر. ولا يخفف. بل هو مستمر إلى الأبد. 
 واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: 86] 

وهكذا نعرف أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل المنهج إلى الأرض مع آدم،
 وأن آدم.نزل إلى الأرض ومعه الهدى ليطبق أول منهج للسماء على الأرض. 
فكأن الله سبحانه وتعالى لم يترك الإنسان لحظة واحدة على الأرض دون أن يعطيه المنهج الذي يبين له طريق الهدى وطريق الضلال.
 ومع المنهج شرعت التوبة. 
وشرع قبول التوبة حتى لا ييأس الإنسان
. ولا يحس أنه إذا أخطأ أو نسي أصبح مصيره جهنم. 
بل يحس أن أبواب السماء مفتوحة له دائما. 
وأن الله الذي خلقه رحيم به إذا أخطأ فتح له أبواب التوبة وغفر له ذنوبه، حتى يحس كل إنسان برعاية الله سبحانه وتعالى له وهو على الأرض. من أول بداية الحياة.
 فالمنهج موجود لمن يريد أن يؤمن. 
والتوبة قائمة لكل من يخطئ. 
وحذر الله سبحانه وتعالى آدم وذريته أنه من يطع ويؤمن يعش الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
 ومن يكفر ويكذب.
 فإن مصيره عذاب أبدي.
 لقد عرف الله آدم بعدوه إبليس. وطلب منه أن يَحْذره ، وكانت قصتهم إلي أن إنتهي التدريب التطبيقي لمنهج العبودية . فماذا فعل بنو آدم؟ هل استقبلوا منهج الله بالطاعة أو بالمعصية؟ وهل تمسكوا بتعاليم الله. أو تركوها وراء ظهورهم؟

# دكتورة حنان لاشين

المصادر
القران الكريم
خواطر الشيخ الشعراوي
تفسير بن كثير 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق