السبت، 2 مايو 2020

البقرة ٢٢

 قال تعالي
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )سورة البقرة الاية رقم 22

معانى الكلمات
الأرضَ فراشاً : بساطاً و وِطاءً للاستقرارِ عليها
والسماء بناءً : سقفا مرفوعاً او كالقُبّةِ المضروبة
أنداداً : أمثالاً من الأوثانِ تعبدونها
خواطر الشيخ الشعراوى
فبعد أن بين لنا الحق سبحانه وتعالى أن عطاء ربوبيته الذي يعطيه لخلقه جميعا، المؤمن والكافر، كان يكفي لكي يؤمن الناس، كل الناس.
أخذ يبين لنا آيات من عطاء الربوبية. ويلفتنا إليها لعل من لم يؤمن عندما يقرأ هذه الآيات يدخل الإيمان في قلبه. فيلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى خلق الأرض في قوله تعالى: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً} .
والأرض هي المكان الذي يعيش في الناس ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه خلق الأرض أو أوجدها.
 إذن فهي آية ربوبية لا تحتاج لكي نتنبه إليها إلى جهد عقلي.
 لأنها بديهات محسومة لله سبحانه وتعالى.
 وقوله تعالى: «فراشا» توحي بأنه أعد الأرض إعداداً مريحاً للبشر.
كما تفرش على الأرض شيئا، تجلس عليه أو تنام عليه، فيكون فراشا يريحك.
 ونحن نتوارث الأرض جيلا بعد جيل.
 وهي تصلح لحياتنا جميعاً.
ومنذ أن خلقت الأرض إلى يوم القيامة. ستظل فراشا للإنسان.
 قد يقول بعض الناس أنك إذا نمت على الأرض فقد تكون غير مريحة تحتك فيها حصى أو غير ذلك مما يضايقك.
نقول أن الإنسان الأول كان ينام عليها مستريحا. .
إذن فضرورة النوم ممكنة على الأرض
. وعندما تقدمت الحضارة وزادت الرفاهية ظلت الأرض فراشاً رغم ما وجد عليها من أشياء لينة.
فكأن الله تعالى. قد أعدها لنا إعداداً يتناسب مع كل جيل.
فكل جيل رفه في العيش بسبب تقدم الحضارة كشف الله سبحانه من العلم ما يطوع له الأرض ويجعلها فراشاً.
ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى يقول: {جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداًَ} [الزخرف: 10] والمهد هو فراش الطفل، ولابد أن يكون مريحا لأن الطفل إذا وجد في الفراش أي شيء يتعبه. فإن لا يملك الإمكانات التي تجعله يريحه، ولذلك تمهد الأم لطفلها مكان نومه، حتى ينام نوماً مريحاً.
ولكن الذي يمهد الأرض لكل خلقه هو الله سبحانه وتعالى. يجعلها فراشاً لعباده.
وإذا قرأت قوله تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ} [الملك: 15]
فإن معنى ذلك أن الحق سبحانه جعل الأرض مطيعة للإنسان، تعطيه كل ما يحتاج إليه.
 ويأتي الحق سبحانه وتعالى إلى السماء فيقول: «والسماء بناءً»
والبناء يفيد المتانة والتماسك. أي أن السماء وهي فوقك لا نرى شيئا يحملها حتى لا تسقط عليك.
إنها سقف متماسك متين.
 ويؤكد الحق هذا المعنى بقوله تعالى: {وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [الحج: 65] 
وفي آية أخرى يقول: {وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} [الأنبياء: 32]
والهدف من هذه الآيات كلها ، أن نطمئن ونحن نعيش على الأرض أن السماء لن تتساقط علينا لأن الله يحفظها.
إذن من آيات الحق سبحانه وتعالى في الأرض أنه جعلها فراشاً أي ممهدة ومريحة لحياة الإنسان.
 وحفظ السماء بقدرته جل جلاله، فهي ثابتة في مكانها، لا تهدد سكان الأرض وتفزعهم، بأنها قد تسقط عليهم، ثم جاء بآية أخرى: {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ}
فكأن الحق سبحانه وتعالى وضع في الأرض وسائل استبقاء الحياة.
فلم يترك الإنسان على الأرض دون أن يوفر له وسائل استمرار حياته.
 فالمطر ينزل من السماء
 والسماء هي كل ما علاك فأظلك.
فينبت به الزرع والثمر، وهذا رزق لنا، والناس تختلف في مسألة الرزق.
 والرزق هو ما ينتفع به، وليس هو ما تحصل عليه.
 فقد تربح مالاً وافراً ولكنك لا تنفقه ولا تستفيد منه فلا يكون هذا رزقك ولكنه رزق غيرك، وأنت تظل حارساً عليه، لا تنفق منه قرشاً واحداً، حتى توصله إلى صاحبه. فالبخيل الذي يكنز المال ويأتي ورثته وينفقونه فهذا رزقهم هم وليس هو ، وهو لم يكن إلا حارسا عليه 
أنواع الرزق
والرزق في نظر معظم الناس هو المال
 قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «يقول العبدُ: مالي، مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدَّقْتَ فأمضيتَ؟!» . رواه مسلم 

والحديث يحث علي على الإعداد للآخرة وعدم التَّشاغل بالدنيا التي تصدّ عن الآخرة، فالمؤمن خُلِقَ ليعبد ربَّه ويعدَّ العُدَّة لآخرته، لم يُخلق للدنيا، بل خُلِقَ للآخرة، خُلِقَ ليعمل:
قال تعالي ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]

وقال تعالي ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )[البقرة:21]
فالواجب عليه أن يعدَّ العدة لآخرته، وأن يحذر أسباب التَّفريط، وأسباب النَّقص.
وفي هذا الحديث أنه سمع النبيَّ ﷺ يقرأ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ،
 ويقول: يقول العبدُ: مالي، مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدَّقْتَ فأمضيتَ؟! يعني: وما سواه تاركٌ للورثة.
فالمؤمن يعمل لآخرته ويجتهد، أمَّا كونه يتكسَّب ليستر عورته، وليأكل حاجته، وليتصدق ويُحْسِن إلى الناس؛ فلا بأس أن يحرص على ما ينفعه، لكن لا يشغله عن الآخرة، تجارة وعمل لا يشغله عن الآخرة، كما قال ﷺ: المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعن الله،

 وقال ﷺ لما سُئل: أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور
فلا مانع أن يتَّجر، ولا مانع أن يزرع، ولا مانع أن يعمل الأعمال الأخرى من: نجارةٍ، أو حدادةٍ، أو غير ذلك، لكن يستعين بها على طاعة ربه، ولا تشغله عن الآخرة.

هذا هو رزق المال، وهو جزء من الرزق.
ولكن هناك أرزاق أخري تتمثل في
@ رزق الصحة.
@ ورزق الولد.
@ ورزق الطعام.
@ ورزق في البركة.
@ وكل نعمة من الله سبحانه وتعالى هي رزق وليس المال وحده.

فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا بهذه الآية الكريمة إلى أن نفكر قليلاً، فيمن خلق هذا الكون. لنعرف أنه قبل أن يخلق الإنسان خلق له عناصر بقائه.
ولكن هذا الإعداد لم يتوقف عند الحياة المادية.
 بل إن الله كما أعد لنا مقومات حياتنا المادية أعد لنا مقومات حياتنا الروحية، أو القيم في الوجود.

وإذا قرأت في سورة الرحمن قوله تعالى: {الرحمن عَلَّمَ القرآن خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان} [الرحمن: 1 - 4]
نجد القرآن يعطينا قيم الحياة، التي بدونها تصبح الدنيا كلها لا قيمة لها.
لأن الدنيا امتحان أو اختبار لحياة قادمة في الآخرة.
 فإذا لم تأخذها بمهمتها في أنها الطريق الذي يوصلك إلى الجنة.
أهدرت قيمتها تماماً.
 ولم تعد الدنيا تعطيك شيئاً إلا العذاب في الآخرة.
وقد ربط الحق سبحانه وتعالى الرزق في هذه الآية بالسماء فقال سبحانه: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ}
ليلفتنا إلى أن الرزق، لا يأتي إلا من أعلى، وضرب الله سبحانه وتعالى المثل بالماء لأنه رزق مباشر محسوس منا، والماء ينزل من السماء في أنقى صوره مقطراً.
 كل ما يأتينا من السماء. فيه علو.
ينزل ليزيد حياة القيم ارتقاءً
 عملية لو أراد البشر أن يقوموا بها ما استطاعوا لأنها كانت ستكلف ملايين الجنيهات، لتعطينا ماءً لا يكفي أسرة واحدة.
ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل من السماء ماءً في أنقى صوره لينبت به الثمرات، التي تضمن استمرار الحياة في هذا الكون.
 وبعد أن نفهم هذه النعم كلها.
والإعجاز الذي فيها ونستوعبها يقول الحق تبارك وتعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . «أندادا» جمع نِدّ، والند هو النظير أو الشبيه.
 وأي عقل فيه ذرّة من فكر يبتعد عن مثل هذا، فلا يجعل لله تعالى شبيهاً ولا نظيراً ولا يُشَبِّهُ بالله تعالى أحداً. فالله
 واحد في قدرته
 واحد في قوته،
واحد في خلقه.
واحد في ذاته، وواحد في صفاته.
ولا توجد مقارنة بين صفات الحق سبحانه وتعالى وصفات الخلق.
 والله خلق لكل منا عقلاً يفكر به، لو عرضت هذه المسألة على العقل لرفضها تماماً، لأنها لا تتفق مع عقل أو منطق
 ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تعرفون هذا جيداً بعقولكم لأن طبيعة العقل ترفض هذا تماماً.
 فمنذا الذي يستطيع أن يدعي أنه خلقكم والذين من قبلكم؟!
ومن ذا الذي يستطيع أن يدعي ولو كذبا، أنه هو الذي جعل الأرض فراشاً، وجعل السماء سقفاً محفوظاً،
أو يدعي انه  أنزل المطر وأنبت الزرع؟
 لا أحد يستطيع ان يدعي ذلك 
. إذن فأنتم تعلمون أن العقل كله لله وحده، ومادام لا يوجد معارض ولا يمكن أن يوجد. فالقضية محسومة للحق تبارك وتعالى.
 والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} [البقرة: 165]
لماذا اتخذ هؤلاء الناس لله تعالى أنداداً؟ لأنهم يريدون دينا بلا منهج.
 يريدون أن يرضوا فطرة الإيمان التي خلقها الله فيهم وهو وجود اله ولكن بدون تكليف .
إله يحبونه وفي الوقت نفسه يتبعون شهواتهم.
عندما فكروا في هذا وجدوا أن أحسن طريقة هي أن يختاروا إلهاً بلا منهج، لا يطلب منهم شيئاً

ولذلك كل دعوة منحرفة تجد أنها تبيح ما حرم الله، وتحل الإنسان من كل التكاليف الإيمانية كالصلاة والزكاة والجهاد وغيرها.

 أما الذين آمنوا. فإنهم يعرفون أن الله سبحانه وتعالى إنما وضع منهجه لصالح الإنسان: فالله لا يستفيد من صلاتنا ولا من زكاتنا. ولا من منهج الإيمان شيئاً
 ولكننا نحن الذين نستفيد  من منهج الله الذي جعله رحمه لنا  فكل هدي الله للانسان لضمان رفاهيته في الدنيا والأخرة .واي تكليف فيه رحمه للإنسان 
والذين أمنوا  يتبعون ما امرهم الله به فينعمون بطاعه الله في الدنيا وجنته في الأخره .

ولأن الذين آمنوا يعرفون هذا فإنهم يحبون الله حبا شديداً، والذين كفروا رغم كل ما يدعون فإنهم ساعة العسرة يلجأون إلى الله سبحانه وتعالى باعتباره وحده الملجأ والملاذ.
 واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} [يونس: 12] 

لماذا لم يستدع الأنداد؟
 لأن الإنسان لا يغش نفسه أبداً في ساعة الخطر
 ولأن هؤلاء يعرفون بعقولهم أنه لا يمكن أن يوجد لله أنداد. ولكنه يتخذهم لأغراض دنيوية. فإذا جاء الخطر. يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى. لأنه يعلم يقينا أنه وحده الذي يكشف الضر،

المصادر
القرأن الكريم
خواطر الشيخ الشعراوي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق