إن الجبال تمثل مخازن القوت الذي به قوام الحياة للإنسان وللحيوان والذي ينشأ من الزرع، والطبقة الخارجية للجبال تتفتتْ بعوامل التعرية، ثم يحملها ماء المطر إلى الوديان فتزيد من خصوبة الأرض بمقدار كل عام
ومن الجبال أيضاً يتكون الماء في الأنهار أو في مسارب الأرض فنخرجه حين الحاجة إليه.
ومن حكمة الله تعالى أنْ جعل الجبال راسية ثابتة، وجعلها صلدة وإلا لو كانت هشّة لأذابتها الأمطار وفتتها في عدة سنوات، ثم حرمت الأرض من الخصوبة التي تستمدها من الجبال؛ لذلك يقول الله تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21]
فمع زيادة السكان تزداد المساحة الخِصْبة التي يُكوِّنها الغِرْين الذي يتفتت من الجبال عاماً بعد عام.
واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين (٩)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) } [فصلت]
فالجبال جعلها الله راسية حتى لا تضطرب بنا الأرض، وجعلها صلبة لأنها مخزن الخِصْب الذي يُمِدُّنا بالزرع الذي به قِوَام حياتنا.
ومن رحمة الله بالإنسان أنْ جعل فيه ذاتية استبقاء الحياة، فإن مُنِع عنه الطعام أو الشراب تغذَّى من المخزون في جسمه؛بمعني أن الله سبحانه وتعالي عزز إحتياجات الإنسان بمخازن داخلية توفر إحتياجاته من الطاقة وقت الضرورة،فيأخذ منها.
وهذة المخازن بالترتيب :_
أولاً مخازن الدهن (الدهون المخزنه في الخلايا الشحميه)، ثانيا اللحم أو العضلات (بروتين العضلات )
ثالثا العظم ( والذي يتكون من مواد عضوية ومواد غير عضويه وخاصة الكالسيوم والفوسفور والماغنسيوم )
لذلك فإن العظم هو آخر مخازن القوت في جسم الإنسان، وفي ضوء ذلك نفهم قول سيدنا زكريا: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿٤﴾} [مريم]
وهذا يعني: أنه قد بلغ آخر مرحلة من مراحل استبقاء الحياة.
فكان من رحمة الله بالخَلْق أنْ جعل حتى شَرَه الإنسان للطعام والشراب رحمة به، حيث يتحول الزائد عن طاقته وحاجته إلى مخزون في جسمه، يستخدمة وقت انقطاع السُّبُل به أو حين تعذَّر الحصول علي الطعام والشراب ،فإن المصدر في هذة الحالة يكون إمداد داخلي ،من المخازن الداخلية للإنسان ، يستمد مما في جسمه للإبقاء علي حياته. كذلك من رحمة الله بالإنسان أنْ جعله يصبر على الطعام إلى شهر، ويصبر على الماء من ثلاثة أيام إلى عشرة بحسب ما في جسمه من مخزون الطعام والشراب، أما الهواء فلا يصبر عليه إلا بمقدار شهيق وزفير؛ لذلك تتجلى رحمة الله تعالى وحكمته في خَلْقه بألاَّ يُملِّك الهواء لأحد، فلو مَلكه عدوك لمتّ قبل أن يرضى عنك لأننا لا نصبر علي نقص الهواء دقائق معدودة .فالحمد لله القدير العليم الحكيم الرؤوف بعباده الرحيم
أعطاناالله قُوتَنا كما أعطى لغيرنا من المخلوقات أقواتها. لذلك؛ إذا نظرنا في غابة لم تمتد إليها يد الإنسان نجد فيها جميع الحيوانات والطيور والدواب والحشرات. الخ، دون أنْ نجد فيها رائحة كريهة أو منظراً مُنْفراً، لماذا؟
لأن الحيوانات يحدث بينها وبين بعضها توازن بيئي، فالضعيف منها والمريض طعام للقوي، والخارج من حيوان طعام لحيوان آخر. وهكذا، فهي محكومة بالغريزة لا بالعقل والاختيار.
الامور المحكومة بالغريزة لا بالعقل تسير وفق منهجها الأصلي دون خلل، ولذلك لا نري فيها عوار ،لأنه لم يدخل فيها الإختيار.
وكل شيء لا دَخْلَ للإنسان فيه يسير على أدقِّ نظام فلا نجد فيه فساداً أبداً إلا إذا طالتْه يد البشر وعبث بنظامه الأصلي ، فيظهر التغير ، وغالبا ما نتج تدخل الإنسان بالتغيير للأسوء .
ولنا أنْ نذهب في رحله تأملية إلى إحدى الحدائق أو المنتزهات العامة في شم النسيم مثلاً لنرى ما تتركه يد الإنسان في الطبيعة من تخريب وترك الكثير من القذورات وتغيير المنظر المبهج اول اليوم الي شئ يثير الشفقة والحسرة علي الحديقة أخر اليوم .
لكن، لماذا وُصِف الإنسان بهذا الوصف؟ ولماذا قُرِن وجوده بالفساد؟
يوصف الإنسان بالمفسد عندما يتناول الأشياء بغير قانون خالقها، ولو تناول الأشياء بقانون الخالق عَزَّ وَجَلَّ ما أحدث في الطبيعة هذا الفساد.
فالإنسان لا قدرةَ له على شيء من مخلوقات الله إلا إذا ذلَّلها الله له ويسِّرها لخدمته، بدليل أن الولد الصغير يركب الفيل ويسحب الجمل ويُنيخه ويحمله الأثقال في حين لا قدرةَ لأحدنا على ثعبان صغير من عائله سامة ، أو حتى برغوث، لماذا أو حتي فيروس لا يري بالعين المجردة ويكبر ملايين المرات حتي نراه مثل فيروس الإيدز أو كورونا أو فيروسات الكبد وغيرها من الكائنات الدقيقة الممرضة للإنسان ؟
لأن الله تعالى ذلَّلَ لنا هذا (ما نتعامل معه وننتفع به مباشرة )، ولم يُذلِّل لنا الأخري ، بل ربما سلطها علينا ،لتجعلنا نعود إلي رشدنا وتذكرنا بقدرة الله وقلة حيلة الانسان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق